قوله : ١٢ - ﴿ يا يحيى ﴾ ها هنا حذف وتقديره : وقال الله للمولود يا يحيى أو فولد له مولولد فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه فقلنا له يا يحيى وقال الزجاج : المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيى والمراد بالكتاب التوراة لأن المعهود حينئذ ويحتمل أن يكون كتابا مختصا به وإن كنا لا نعرفه الآن والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى وهو القيام بما فيه كما ينبغي وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه ثم أكده بقوله :﴿ بقوة ﴾ أي بجد وعزيمة واجتهاد ﴿ وآتيناه الحكم صبيا ﴾ المراد بالحكم الحكمة وهي الفهم للكتاب الذي أمر يأخذه وفهم الأحكام الدينية وقيل هي العلم وحفظه والعمل به وقيل النبوة وقيل العقل ولا مانع من أن يكون الحكم صالحا لحمله على جميع ما ذكر قيل كان يحيى عند هذا الخطاب له ابن سنتين وقيل ابن ثلاث
١٣ - ﴿ وحنانا من لدنا ﴾ معطوف على الحكم قال جمهور المفسرين : الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة وأصله توقان النفس مأخوذ من حنين الناقة على ولدها قال أبو عبيدة : تقول حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد يريد رحمتك قال طرفة :

( أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض )
وقال امرؤ القيس :
( ويمنحها بنو سلخ بن بكر معيزهم حنانك ذا الحنان )
قال ابن الأعرابي : الحنان مشددا من صفات الله عز و جل والحنان مخففا : العطف والرحمة والحنان الرزق والبركة قال ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا يعني بلالا لما مر به وهو يعذب وقيل إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل قال الأزهري : معنى ذلك لأترحمن عليه ولأتعطفن عليه لأنه من أهل الجنة ومثله قول الحطيئة :
( تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا )
ومعنى ﴿ من لدنا ﴾ من جنابنا قيل ويجوز أن يكون المعنى أعطيناه رحمة من لدنا كائنة في قلبه يتحنن بها على الناس ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر ﴿ وزكاة ﴾ معطوف على من قبله والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبر : أي جعلناه مباركا للناس يهديهم إلى الخير وقيل زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود وقيل صدقة تصدقنا به على أبويه قاله ابن قتيبة ﴿ وكان تقيا ﴾ أي متجنبا لمعاصي الله مطيعا له وقد روي أنه لم يعمل معصية قط


الصفحة التالية
Icon