وجملة ٤٦ - ﴿ قال لا تخافا ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر نهي لهما عن الخوف الذي حصل معهما من فرعون ثم علل ذلك بقوله :﴿ إنني معكما ﴾ أي بالنصر لهما والمعونة على فرعون ومعنى ﴿ أسمع وأرى ﴾ إدراك ما يجري بينهما وبينه بحيث لا يخفى عليه سبحانه منه خافية وليس بغافل عنهما
ثم أمرهما بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه فلا تكرار ٤٧ - ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أرسلنا إليك ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل ﴾ أي خل عنهم وأطلقهم من الأسر ﴿ ولا تعذبهم ﴾ بالبقاء على ما كانوا عليه وقد كانوا عند فرعون في عذاب شديد : يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويكلفهم من العمل ما لا يطيقونه ثم أمرهما سبحانه أن يقولا لفرعون ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ قيل هي العصا واليد وقيل إن فرعون قال لهما : وما هي ؟ فأدخل موسى يده في جيب قميصه ثم أخرجها لها شعاع كشعاع الشمس فعجب فرعون من ذلك ولم يره موسى العصا إلا يوم الزينة ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة قال الزجاج : أي من اتبع الهدى سلم من سخط الله عز و جل من عذابه وليس بتحية قال : والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب قال الفراء : السلام على من اتبع الهدى ولمن اتبع الهدى سواء
٤٨ - ﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة الله سبحانه ﴿ أن العذاب على من كذب وتولى ﴾ المراد بالعذاب : الهلاك والدمار في الدنيا والخلود في النار والمراد بالتكذيب : التكذيب بآيات الله وبرسله والتولي : الإعراض عن قبولها والإيمان بها
٤٩ - ﴿ قال فمن ربكما يا موسى ﴾ أي قال فرعون لهما : فمن ربكما ؟ فأضاف الرب إليهما ولم يضفه إلى نفسه لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية وخص موسى بالنداء لكونه الأصل في الرسالة وقيل لمطابقة رؤوس الآي
٥٠ - ﴿ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ﴾ أي قال موسى مجيبا له وربنا مبتدأ وخبره الذي أعطى كل شيء خلقه ويجوز أن يكون ربنا خبر مبتدأ محذوف وما بعده صفته قرأ الجمهور ﴿ خلقه ﴾ بسكون اللام وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ خلقه بفتح اللام على أنه فعل وهي قراءة ابن أبي إسحاق ورواها نصير عن الكسائي فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى والمعنى : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع كذا قال الضحاك وغيره وقال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه وقال مجاهد : المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا ومنه قول الشاعر :

( وله في كل شيء خلقه وكذاك الله ما شاء فعل )
وقال الفراء : المعنى خلق للرجل والمرأة ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأول لأعطى : أي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ومعنى ﴿ ثم هدى ﴾ أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له وأما على القراءة الآخرة فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه : أي أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفا : أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه فيوافق معناها معنى القراءة الأولى


الصفحة التالية
Icon