وجملة ٤١ - ﴿ ولقد استهزئ برسل من قبلك ﴾ مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه و سلم وتعزيته كأنه قال : إن استهزأ بك هؤلاء فقد فعل ذلك بمن قبلك من الرسل على كثرة عددهم وخطر شأنهم ﴿ فحاق بالذين سخروا منهم ﴾ أي أحاط ودار بسبب ذلك بالذين سخروا من أولئك الرسل وهزأوا بهم ﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ ما موصولة أو مصدرية : أي فأحاط بهم الأمر الذي كانوا يستهزئون به أو فأحاط بهم استهزاؤهم : أي جزاؤه على وضع السبب موضع المسبب أو نفس الاستهزاء إن أريد به العذاب الأخروي
٤٢ - ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ﴾ أي يحرسكم ويحفظكم والكلاءة الحراسة والحفظ يقال : كلأه الله كلأه بالكسر أي حفظه وحرسه قال ابن هرمة :

( إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤها )
أي قل يا محمد لأولئك المستهزئين بطريق التقريع والتوبيخ : من يحرسكم ويحفظكم بالليل والنهار من بأس الرحمن وعذابه الذي تستحقون حلوله بكم ونزوله عليكم ؟ وقال الزجاج : معناه من يحفظكم من بأس الرحمن وقال الفراء : المعنى من يحفظكم مما يريد الرحمن إنزاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة وحكى الكسائي والفراء : من يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو ﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾ أي عن ذكره سبحانه فلا يذكرونه ولا يخطرونه ببالهم بل يعرضون عنه أو عن القرآن أو عن مواعظ الله أو عن معرفته
٤٣ - ﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾ أم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة للإضراب والانتقال عن الكلام السابق المشتمل على بيان جهلهم بحفظه سبحانه إياهم إلى توبيخهم وتقريعهم باعتمادهم على من هو عاجز عن نفع نفسه والدفع عنها والمعنى : بل هم آلهة تمنعهم من عذابنا وقيل فيه تقديم وتأخير والتقدير : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ثم وصف آلهتهم هذه التي زعموا أنها تنصرهم بما يدل على الضعف والعجز فقال :﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ﴾ أي هم عاجزون عن نصر أنفسهم فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم ولا هم منا يصحبون : أي ولا هم يجارون من عذابنا قال ابن قتيبة : أي لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار والعرب تقول صحبك الله : أي حفظك وأجارك ومنه قول الشاعر :
( ينادي بأعلى صوته متعوذا ليصحب منا والرماح دواني )
تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان أي مجير منه قال المازني : هو من أصحبت الرجل إذا منعته
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال :[ مر النبي صلى الله عليه و سلم على أبي سفيان وأبي جهل وهم يتحدثان فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي فسمعها النبي صلى الله عليه و سلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوفه وقال : ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك وقال لأبي سفيان : أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية فنزلت هذه الآية ﴿ وإذا رآك الذين كفروا ﴾ ] قلت : ينظر من الذي روى عنه السدي ؟ وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس فقال : الحمد لله فقالت : الملائكة يرحمك الله فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع فقال الله :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾ وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وأخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ قل من يكلؤكم ﴾ قال : يحرسكم وفي قوله :﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ قال : لا ينصرون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ قال : لا يجارون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية : قال لا يمنعون


الصفحة التالية
Icon