ولم يقنعوا بذلك حتى ضموا إليه الكذب البحت والبهت الصراح فقالوا : ٢٥ - ﴿ إن هو إلا رجل به جنة ﴾ أي جنون لا يدري ما يقول :﴿ فتربصوا به حتى حين ﴾ أي انتظروا به حتى يستبين أمره بأن يفيق من جنونه فيترك هذه الدعوى أو حتى يموت فتستريحوا منه قال الفراء : ليس يريد بالحين هنا وقتا بعينه إنما هو كقولهم : دعه إلى يوم ما فلما سمع عليه الصلاة و السلام كلامهم وعرف تماديهم على الكفر وإصرارهم عليه
٢٦ - ﴿ قال رب انصرني ﴾ عليهم فانتقم منهم بما تشاء وكيف تريد والباء في ﴿ بما كذبون ﴾ للسببية : أي بسبب تكذيبهم إياي
٢٧ - ﴿ فأوحينا إليه ﴾ عند ذلك أي أرسلنا إليه رسولا من السماء ﴿ أن اصنع الفلك ﴾ وأن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول ﴿ بأعيننا ﴾ أي متلبسا بحفظنا وكلاءتنا وقد تقدم بيان هذا في هود ومعنى ﴿ ووحينا ﴾ أمرنا لك وتعليمنا إياك لكيفية صنعها والفاء في قوله :﴿ فإذا جاء أمرنا ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها من صنع الفلك والمراد بالأمر العذاب ﴿ وفار التنور ﴾ معطوف على الجملة التي قبله عطف النسق وقيل عطف البيان : أي إن مجيء الأمر هو فور التنور : أي تنور آدم الصائر إلى نوح : أي إذا وقع ذلك ﴿ فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ﴾ أي ادخل فيها يقال سلكه في كذا أدخله وأسلكته أدخلته قرأ حفص ﴿ من كل ﴾ بالتنوين وقرأ الباقون بالإضافة ومعنى القراءة الأولى من كل أمة زوجين ومعنى الثانية من كل زوجين وهما أمة الذكر والأنثى إثنين وانتاب ﴿ أهلك ﴾ بفعل معطوف على فاسلك لا بالعطف على زوجين أو على اثنين على القراءتين لأدائه إلى اختلاف المعنى : أي واسلك أهلك ﴿ إلا من سبق عليه القول منهم ﴾ أي القول بإهلاكهم منهم ﴿ ولا تخاطبني في الذين ظلموا ﴾ بالدعاء لهم بإنجائهم وجملة ﴿ إنهم مغرقون ﴾ تعليل للنهي عن المخاطبة : أي إنهم مقضي عليهم بالإغراق لظلمهم ومن كان هكذا فهو لا يستحق الدعاء له
٢٨ - ﴿ فإذا استويت ﴾ أي علوت ﴿ أنت ومن معك ﴾ من أهلك وأتباعك ﴿ على الفلك ﴾ راكبين عليه ﴿ فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ﴾ أي حال بيننا وبينهم وخلصنا منهم كقوله :﴿ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ﴾ وقد تقدم تفسير هذه القصة في سورة هود على التمام والكمال وإنما جعل استواءهم على السفينة نجاة من الغرق جزما لأنه قد سبق في علمه أن ذلك سبب نجاتهم من الظلمة وسلامتهم من أن يصابوا بما أصيبوا به من العذاب


الصفحة التالية
Icon