وقوله : ٤٢ - ﴿ ثم أنشأنا من بعدهم ﴾ أي من بعد إهلاكهم ﴿ قرونا آخرين ﴾ قيل هم قوم صالح ولوط وشعيب كما وردت قصتهم على هذا الترتيب في الأعراف وهود وقيل هم بنو إسرائيل والقرون الأمم ولعل وجه الجمع هنا للقرون والإفراد فيما سبق قريبا أنه أراد ها هنا متعددة وهناك أمة واحدة
ثم بين سبحانه كمال علمه وقدرته في شأن عباده فقال : ٤٣ - ﴿ ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ﴾ أي ما تتقدم كل طائفة مجتمعة في قرن آجالها المكتوبة لها في الهلاك ولا تتأخر عنها ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾
ثم بين سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين وأن شأن أممهم كان واحدا في التكذيب لهم فقال : ٤٤ - ﴿ ثم أرسلنا رسلنا تترا ﴾ والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها بمعنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه لا على معنى أن إرسال الرسل جميعا متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعا ومعنى ﴿ تترا ﴾ تتواتر واحدا بعد واحد ويتبع بعضهم بعضا من الوتر وهو الفرد قال الأصمعي : واترت كتبي عليه : أتبعت بعضها بعضا إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة وقال غيره : المتواترة المتتابعة بغير مهلة قرأ ابن كثير وابن عمرو ﴿ تترا ﴾ بالتنوين على أنه مصدر قال النحاس : وعلى هذا يجوز تترى بكسر التاء الأولى لأن معنى ثم أرسلنا : واترنا ويجوز أن يكون في موضع الحال : أي متواترين ﴿ كلما جاء أمة رسولها كذبوه ﴾ هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجيء كل رسول لأمته على أن المراد بالمجيء التبليغ ﴿ فأتبعنا بعضهم بعضا ﴾ أي في الهلاك بما نزل بهم من العذاب ﴿ وجعلناهم أحاديث ﴾ الأحاديث جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة وهي ما يتعجب الناس منه قال الأخفش : إنما يقال جعلناهم أحاديث في الشر ولا يقال في الخير كما يقال صار فلان حديثا : أي عبرة وكما قال سبحانه في آية أخرى ﴿ فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ﴾ قلت : وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال صار فلان حديثا حسنا ومنه قول ابن دريد في مقصورته :
( وإنما المرء حديث بعده | فكن حديثا حسنا لمن روى ) |