ثم طلبوا ما لا يجابون إليه فقالوا : ١٠٧ - ﴿ ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ﴾ أي فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر وعدم الإيمان فإنا ظالمون لأنفسنا بالعود إلى ذلك
فأجاب الله عليهم بقوله : ١٠٨ - ﴿ قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ﴾ أي اسكنوا في جهنم قال المبرد : الخسء إبعاد بمكروه وقال الزجاج : تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب فالمعنى على هذا : أبعدوا في جهنم كما يقال للكلب اخسأ : أي ابعد خسأت الكلب خسأ طردته ولا تكلمون في إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا أو في رفع العذاب عنكم وقيل المعنى : لا تكلمون رأسا
ثم علل ذلك بقوله : ١٠٩ - ﴿ إنه كان فريق من عبادي يقولون ﴾ وهم المؤمنون وقيل الصحابة يقولون :﴿ ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ﴾ قرأ الجمهور ﴿ إنه كان فريق ﴾ بكسر إن استئنافا تعليليا وقرأ أبي بفتحها
١١٠ - ﴿ فاتخذتموهم سخريا ﴾ قرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين وقرأ الباقون بكسرها وفرق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو والضم من جهة السخرية قال النحاس ولا يعرف هذا الفرق الخليل ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء وحكي الثعلبي عن الكسائي : أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل ﴿ حتى أنسوكم ذكري ﴾ أي اتخذتموهم سخريا إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدة اشتغالهم بالاستهزاء ﴿ وكنتم منهم تضحكون ﴾ في الدنيا والمعنى : حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب
وجملة ١١١ - ﴿ إني جزيتهم اليوم بما صبروا ﴾ مستأنفة لتقرير ما سبق والباء في بما صبروا للسببية ﴿ أنهم هم الفائزون ﴾ قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ الباقون بالفتح : أي لأنهم الفائزون ويجوز أن يكون منصوبا على أنه المفعول الثاني للفعل
١١٢ - ﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ﴾ القائل هو الله عز و جل وتذكيرا لهم كم لبثوا ؟ لما سألوا الرجوع إلى الدنيا بعد أن أخبرهم بأن ذلك غير كائن كما في قوله : أخسئوا فيها والمراد بالأرض هي الأرض التي طلبوا الرجوع إليها ويحتمل أن يكون السائل عن جميع ما لبثوه في الحياة وفي القبور وقيل هي سؤال عن مدة لبثهم في القبور لقوله : في الأرض ولم يقل على الأرض ورد بمثل قوله تعالى :﴿ ولا تفسدوا في الأرض ﴾ وانتصاب عدد سنين على التمييز لما في كم من الإبهام وسنين بفتح النون على أنها نون الجمع ومن العرب من يخفضها وينونها


الصفحة التالية
Icon