١١٣ - ﴿ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ﴾ استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد وقيل إن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم وقيل أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا :﴿ فاسأل العادين ﴾ أي المتمكنين من معرفة العدد وهم الملائكة لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم وقيل المعنى : فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ﴿ قال كم لبثتم في الأرض ﴾ على الأمر والمعنى : قل يا محمد للكفار أو يكون أمرا للملك بسؤالهم أو التقدير : قولوا كم لبثتم فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد الجماعة وقرأ الباقون ﴿ قال كم لبثتم ﴾ على أن القائل هو الله عز و جل أو الملك
١١٤ - ﴿ قال إن لبثتم إلا قليلا ﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿ قال إن لبثتم ﴾ كما في الآية الأولى وقرأ الباقون ﴿ قال ﴾ على الخبر وقد تقدم توجيه القراءتين : أي ما لبثتم في الأرض إلا لبثا قليلا ﴿ لو أنكم كنتم تعلمون ﴾ شيئا من العلم والجواب محذوف : أي لو كنتم تعلمون لعلمتم اليوم قلة لبثكم في الأرض أو في القبور أو فيهما فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم
ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال : ١١٥ - ﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ﴾ الهمزة للتوبيخ والتقرير والفاء للعطف على مقدر كما تقدم بيانه في مواضع : أي ألم تعلموا شيئا فحسبتم وانتصاب عبثا على الحال : أي عابثين أو على العلة : أي للعبث قال بالأول سيبويه وقطرب وبالثاني أبو عبيدة وقال أيضا : يجوز أن يكون منتصبا على المصدرية وجملة ﴿ وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ معطوفة على أنما خلقناكم عبثا والعبث في اللغة : اللعب يقال عبث يعبث عبثا فهو عابث : أي لاعب وأصله من قولهم عبثت الاقط : أي خلطته والمعنى : أفحسبتم أن خلقنالكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم قرأ حمزة والكسائي ﴿ ترجعون ﴾ بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنيا للفاعل وقرأ الباقون على البناء للمفعول وقيل إنه يجوز عطف ﴿ وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ على ﴿ عبثا ﴾ على معنى : أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع
ثم نزه سبحانه نفسه فقال : ١١٦ - ﴿ فتعالى الله ﴾ أي تنزه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئا عبثا أو عن جميع ذلك وهو ﴿ الملك ﴾ الذي يحق له الملك على الإطلاق ﴿ الحق ﴾ في جميع أفعاله وأقواله ﴿ لا إله إلا هو رب العرش الكريم ﴾ فكيف لا يكون إلها وربا لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه أو باعتبار من استوى عليه كما يقال بيت كريم : إذا كان ساكنوه كراما قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب ﴿ الكريم ﴾ بالرفع على أنه نعت لرب وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش