فقال :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم ﴾ وهي بلقيس بنت شرحبيل وجدها الهدهد تملك أهل سبأ والجملة هذه كالبيان والتفسير للجملة التي قبلها : أي ذلك النبأ اليقين هو كون هذه المرأة تملك هؤلاء ﴿ وأوتيت من كل شيء ﴾ فيه مبالغة والمراد أنها أوتيت من كل شيء من الأشياء التي تحتاجها وقيل المعنى : أوتيت من كل شيء في زمانها شيئا فحذف شيئا لأن الكلام قد دل عليه ﴿ ولها عرش عظيم ﴾ أي سرير عظيم ووصفه بالعظم لأنه كما قيل كان من ذهب طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا ذراعا مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقيل المراد بالعرش هنا الملك والأول أولى لقوله :﴿ أيكم يأتيني بعرشها ﴾ قال ابن عطية : واللازم من الآية أنها امرأة ملكة على مدائن اليمن ذات ملك عظيم وسرير عظيم وكانت كافرة من قوم كفار
٢٤ - ﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ﴾ أي يعبدونها متجاوزين عبادة الله سبحانه قيل كانوا مجوسا وقيل زنادقة ﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم ﴾ التي يعملونها وهي عبادة الشمس وسائر أعمال الكفر ﴿ فصدهم عن السبيل ﴾ أي صدهم الشيطان بسبب ذلك التزيين عن الطريق الواضح وهو الإيمان بالله وتوحيده ﴿ فهم لا يهتدون ﴾ إلى ذلك
٢٥ - ﴿ أن لا يسجدوا ﴾ قرأ الجمهور بتشديد ﴿ ألا ﴾ قال ابن الأنباري : الوقف على فهم لا يهتدون غير تام عند من شدد ألا لأن المعنى : وزين لهم الشيطان الا يسجدوا قال النحاس : هي أن دخلت عليها لا وهي في موضع نصب قال الأخفش : أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله وقال الكسائي : هي في موضع نصب بصدهم : أي فصدهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا فهو على الوجهين مفعول له وقال اليزيدي : إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب وقال أبو عمرو : في موضع خفض على البدل من السبيل وقيل العامل فيها لا يهتدون : أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله وتكون لا على هذا زائدة كقوله :﴿ ما منعك أن لا تسجد ﴾ وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود : إما بالتزيين أو بالصد أو بمنع الاهتداء وقد رجح كونه علة للصد الزجاج ورجح الفراء كونه علة لزين قال : زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا ثم حذفت اللام وقرأ الزهري والكسائي بتخفيف ﴿ ألا ﴾ قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرأونها إلا بالتخفيف على نية الأمر فتكون ﴿ ألا ﴾ على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء واسجدوا فعل أمر وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا ألا يا اسجدوا ولكن الصحابة رضي الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ووصلوا الياء بسين اسجدوا فصارت صورة الخط ألا يسجدوا والمنادى محذوف وتقديره : ألا يا هؤلاء اسجدوا وقد حذفت العرب المنادى كثيرا في كلامها ومنه قول الشاعر :

( ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر )
وقول الآخر :
( ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلم )
وقول الآخر أيضا :
( ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر )
وهو كثير في أشعارهم قال الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة التشديد قال الزجاج : ولقراءة التخفيف وجه حسن إلا أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك إلى ذكرهم والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه وكذا قال النحاس : وعلى هذه القراءة تكون جملة ألا يسجدوا معترضة من كلام الهدهد أو من كلام سليمان أو من كلام الله سبحانه وفي هذه قراءة عبد الله بن مسعود هل لا تسجدوا بالفوقية وفي قراءة أبي ﴿ لا تسجدوا ﴾ بالفوقية أيضا ﴿ الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ﴾ أي يظهر ما هو مخبوء ومخفي فيهما يقال : خبأت الشيء أخبؤه خبأ والخبء ما خبأته قال الزجاج : جاء في التفسي أن الخبء ها هنا بمعنى القطر من السماء والنبات من الأرض وقيل خبء الأرض كنوزها ونباتها وقال قتادة : الخبء السر قال النحاس أي ما غاب في السموات والأرض وقرأ أبي وعيسى بن عمر الخب بفتح الباء من غير همز تخفيفا وقرأ عبد الله وعكرمة ومالك بن دينار الخبا بالألف قال أبو حاتم : وهذا لا يجوز في العربية ورد عليه بأن سيبويه حكى عن العرب أن الألف تبدل من الهمزة إذا كان قبلها ساكن وفي قراءة عبد الله يخرج الخب من السموات والأرض قال الفراء : ومن وفي يتعاقبان والموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتا لله سبحانه أو بدلا منه أو بيانا له ويجوز أن تكون في محل نصب على المدح ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وجملة ﴿ ويعلم ما تخفون وما تعلنون ﴾ معطوفة على يخرج قرأ الجمهور بالتحتية في الفعلين وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي بالفوقية للخطاب أما القراءة الأولى فلكون الضمائر المتقدمة ضمائر غيبة وأما القراءة الثانية فلكون قراءة الزهري والكسائي فيها الأمر بالسجود والخطاب لهم بذلك فهذا عندهم من تمام ذلك الخطاب والمعنى : أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفاء بعلمه له كما يخرج ما خفي في السموات والأرض ثم بعد ما وصف الرب سبحانه بما تقدم مما يدل على عظيم قدرته وجليل سلطانه ووجوب توحيده وتخصيصه بالعبادة


الصفحة التالية
Icon