قال : ٢٦ - ﴿ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾ قرأ الجمهور العظيم بالجر نعتا للعرش وقرأ ابن محيصن بالرفع نعتا للرب وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب : إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل قال الله عز و جل :﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ﴾ وأي نعمة أفضل مما أعطي داود وسليمان
أقول : ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وورث سليمان داود ﴾ قال : ورثه نبوته وملكه وعلمه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال : أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والدواب والطير والسباع وأعطي كل شيء ومنطق كل شيء وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحي إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلا أنبياء بلا رسالة قال الذهبي : هذا باطل وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان لا تطيب النفس بذكر شيء منها فالإمساك عن ذكرها أولى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فهم يوزعون ﴾ قال يدفعون وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ فهم يوزعون ﴾ قال : جعل لكل صنف وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا تتقدمه في السير كما تصنع الملوك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ أوزعني ﴾ قال : ألهمني وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال : إن سليمان نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء وكان الهدهد يدل سليمان على الماء فأراد أن يسأله عنه ففقده قيل كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب ويضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصيده ؟ فقال : إذا جاء القضاء ذهب البصر وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا ﴾ قال : أنتف ريشه كله وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين وروى ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان اسم هدهد سليمان غبر
وأقول : من أين جاء علم هذا للحسن رحمه الله وهكذا ما رواه عنه ابن عساكر أن اسم النملة حرس وأنها من قبيلة يقال لها بنو الشيطان وأنها كانت عرجاء وكانت بقدر الذئب وهو رحمه الله أورع الناس عن نقل الكذب ونحن نعلم أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك شيء ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان أو بأحد من أصحابه فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روى حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فليس ذلك فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك بل فيما عنهم من القصص الواقعة لهم وقد كررنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾ قال : خبر الحق الصدق المبين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : قال ابن عباس كل سلطان في القرآن حجة وذكر هذه الآية ثم قال : وأي سلطان كان للهدهد ؟ يعني أن المراد بالسلطان الحجة لا السلطان الذي هو الملك وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ أحطت بما لم تحط به ﴾ قال : اطلعت على ما لم تطلع عليه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ وجئتك من سبإ ﴾ قال : سبأ بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ﴿ بنبإ يقين ﴾ قال : بخبر حق وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه أيضا ﴿ إني وجدت امرأة تملكهم ﴾ قال : كان اسمها بلقيس بنت شراحيل وكان صلباء شعراء وروي عن الحسن وقتادة وزهير بن محمد أنها بلقيس بنت شراحيل وعن ابن جريج بنت ذي شرح وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إحدى أبوي بلقيس كان جنيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ ولها عرش عظيم ﴾ قال : سرير كريم من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ حسن الصنعة غالي الثمن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ يخرج الخبء ﴾ قال : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض


الصفحة التالية
Icon