٢٩ - ﴿ قالت ﴾ أي بلقيس ﴿ يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ في الكلام حذف والتقدير : فذهب الهدهد فألقاه إليهم فسمعها تقول : يا أيها المأ إلخ ووصفت الكتاب بالكريم لكونه من عند عظيم في نفسها إجلالا لسليمان وقيل وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن وقيل وصفته بذلك لكونه وصل إليها مختوما بخاتم سليمان وكرامة الكتاب ختمه كما روي ذلك مرفوعا ثم بينت ما تضمنه هذا الكتاب
فقالت : ٣٠ - ﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ أي وإن ما اشتمل عليه من الكلام وتضمنه من القول مفتتح بالتسمية وبعد التسمية
٣١ - ﴿ أن لا تعلوا علي ﴾ أي لا تتكبروا كما يفعله جبابرة الملوك وأن هي المفسرة وقيل مصدرية ولا ناهية وقيل نافية ومحل الجملة الرفع على أنها بدل من كتاب أو خبر مبتدأ محذوف : أي هو أن لا تعلوا قرأ الجمهور ﴿ إنه من سليمان وإنه ﴾ بكسرهما على الاستئناف وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتحها على إسقاط حرف الجر وقرأ أبي إن من سليمان وإن بسم الله بحذف الضميرين وإسكان النونين على أنها مفسرتان وقرأ عبد الله بن مسعود إنه لا تغلوا بالغين المعجمة من الغلو وهو تجاوز الحد في الكبر ﴿ وأتوني مسلمين ﴾ أي مناقدين للدين مؤمنين بما جئت به
٣٢ - ﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ﴾ الملأ أشراف القوم والمعنى يا أيها الاشراف أشيروا علي وبينوا لي الصواب في هذا الأمر وأجيبوني بما يقتضيه الحزم وعبرت عن المشورة بالفتوى لكون في ذلك حل لما أشكل من الأمر عليها وفي الكلام حذف والتقدير : فلما قرأت بلقيس الكتاب جمعت أشراف قومها وقالت لهم : يا أيها الملأ إني ألقي إلي يا أيها الملأ أفتوني وكرر قالت لمزيد العناية بما قالته لهم ثم زادت في التأدب واستجلاب خواطرهم ليمحضوها النصح ويشيروا عليها بالصواب فقالت :﴿ ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾ أي ما كنت مبرمة أمرا من الأمور حتى تحضروا عندي وتشيروا علي
فـ ٣٣ - ﴿ قالوا ﴾ مجيبين لها ﴿ نحن أولو قوة ﴾ في العدد والعدة ﴿ وأولو بأس شديد ﴾ عند الحرب واللقاء لنا من الشجاعة والنجدة ما نمنع به أنفسنا وبلدنا ومملكتنا ثم فوضوا الأمر إليها لعلمهم بصحة رأيها وقوة عقلها فقالوا :﴿ والأمر إليك ﴾ أي موكول إلى رأيك ونظرك ﴿ فانظري ماذا تأمرين ﴾ أي تأملي ماذا تأميرنا به فنحن سامعون لأمرك مطيعون له أس
فلما سمعت تفويضهم الأمر إليها ٣٤ - ﴿ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ﴾ أي إذا دخلوا قرية من القرى خربوا مبانيها وغيروا مغانيها وأتلفوا أموالها وفرقوا شمل أهلها ﴿ وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾ أي أهانوا أشرافها وحطوا مراتبهم فصاروا عند ذلك أذلة وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك وتستحكم لهم الوطأة وتقرر لهم في قلوبهم المهابة قال الزجاج : أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وقد صدقها الله سبحانه فيما قالت فقال سبحانه :﴿ وكذلك يفعلون ﴾ أي مثل ذلك الفعل يفعلون قال ابن الأنباري : الوقف على قوله :﴿ وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾ وقف تام فقال الله عز و جل تحقيقا لقولها :﴿ وكذلك يفعلون ﴾ وقيل هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة أوضحت لهم وجه الرأي عندها وصرحت لهم بصوابه