فقالت : ٣٥ - ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية ﴾ أي إني أجرب هذا الرجل بإرسال رسلي إليه بهدية مشتملة على نفائس الأموال فإن كان ملكا أرضيناه بذلك وكفينا أمره وإن كان نبيا لم يرضه ذلك لأن غاية مطلبه ومنتهى أربه هو الدعاء إلى الدين فلا ينجينا منه إلا إجابته ومتابعته والتدين بدينه وسلوك طريقته ولهذا قالت :﴿ فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾ الفاء للعطف على مرسلة وبم متعلق بيرجع والمعنى : إني ناظرة فيما يرجع به رسلي المرسلون بالهدية من قبول أو رد فعاملة بما يقتضيه ذلك وقد طول المفسرون في ذكر هذه الهدية وسيأتي في آخر البحث بيان ما هو أقرب ما قيل إلى الصواب والصحة
٣٦ - ﴿ فلما جاء سليمان ﴾ أي فلما جاء رسولها المرسل بالهدية سليمان والمراد بهذا المضمر الجنس فلا ينافي كونهم جماعة كما يدل عليه قولها : بم يرجع المرسلون وقرأ عبد الله ﴿ فلما جاء سليمان ﴾ أي الرسل وجملة ﴿ قال أتمدونن بمال ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام للاستنكار : أي قال منكرا لإمدادهم له بالمال مع علو سلطانه وكثرة ماله وقرأ حمزة بإدغام نون الإعراب في نون الوقاية والباقون بنونين من غير إدغام وأما الياء فإن نافعا وأبا عمرو وحمزة يثبتونها وصلا ويحذفونها وقفا وابن كثير يثبتها في الحالين والباقون يحذفونها في الحالين وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة ﴿ فما آتاني الله خير مما آتاكم ﴾ أي ما آتاني من النبوة والملك العظيم والأموال الكثيرة خير مما آتاكم من المال الذي هذه الهدية من جملته وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص ﴿ آتاني الله ﴾ بياء مفتوحة وقرأ يعقوب بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف ثم إنه أضرب عن الإنكار المتقدم فقال :﴿ بل أنتم بهديتكم تفرحون ﴾ توبيخا لهم بفرحهم بهذه الهدية فرح فخر وخيلاء وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي لأن الله سبحانه قد أعطاني منها ما لم يعطه أحدا من العالمين ومع ذلك أكرمني بالنبوة والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزراء بهم والحط عليهم
٣٧ - ﴿ ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ﴾ أي قال سليمان للرسول : ارجع إليهم : أي إلى بلقيس وقومها وخاطب المفرد ها هنا بعد خطابه للجماعة فيما قبل إما لأن الذي سيرجع هو الرسول فقط أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا وخاطبهم معه فيما سبق افتنانا في الكلام وقرأ عبد الله بن عباس ارجعوا وقيل إن الضمير يرجع إلى الهدهد واللام في لنأتينهم جواب قسم محذوف قال النحاس : وسمعت ابن كيسان يقول : هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض وهذا قول الحذاق من النحويين لأنه يردون الشيء إلى أصله وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية ومعنى ﴿ لا قبل لهم ﴾ : أي لا طاقة لهم بها والجملة في محل جر صفة لجنود ﴿ ولنخرجنهم ﴾ معطوف على جواب القسم أي : لنخرجنهم من أرضهم التي هم فيها ﴿ أذلة ﴾ أي حال كونهم أذلة بعد ما كانوا أعزة وجملة ﴿ وهم صاغرون ﴾ في محل نصب على الحال قيل وهي حال مؤكدة لأن الصغار هو الذلة وقيل إن المراد بالصغار هنا الأسر والاستبعاد وقيل إن الصغار الإهانة التي تسبب عنها الذلة ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان وأخبر جبريل سليمان بذلك