وقوله : ٣٢ - ﴿ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ﴾ هو بدل مما قبله بإعادة الجار والشيع الفرق : أي لا تكونوا من الذين تفرقوا فرقا في الدين يشايع بعضهم بعضا من أهل البدع والأهواء وقيل المراد بالذين فرقوا دينهم شيعا اليهود والنصارى وقرأ حمزة والكسائي ﴿ فرقوا دينهم ﴾ ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب : أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه وهو التوحيد وقد تقدم تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنعام ﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾ أي كل فريق بما لديهم من الدين المبني على غير الصواب مسرورون مبتهجون يظنون أنهم على الحق وليس بأيديهم منه شيء وقال الفراء : يجوز أن يكون قوله من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا مستأنفا كما يجوز أن يكون متصلا بما قبله
٣٣ - ﴿ وإذا مس الناس ضر ﴾ أي قحط وشدة ﴿ دعوا ربهم ﴾ أن يرفع ذلك عنهم واستغاثوا به ﴿ منيبين إليه ﴾ أي راجعين إليه ملتجئين به لا يعولون على غيره وقيل مقبلين عليه بكل قلوبهم ﴿ ثم إذا أذاقهم منه رحمة ﴾ بإجابة دعائهم ورفع تلك الشدائد عنهم ﴿ إذا فريق منهم بربهم يشركون ﴾ إذا هي الفجائية وقعت جواب الشرط لأنها كالفاء في إفادة التعقيب : أي فاجأ فريق منهم الإشراك وهم الذين دعوه فخلصهم مما كانوا فيه وهذا الكلام مسوق للتعجيب من أحوالهم وما صاروا عليه من الاعتراف بوحدانية الله سبحانه عند نزول الشدائد والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم
واللام في ٣٤ - ﴿ ليكفروا بما آتيناهم ﴾ هي لام كي وقيل لام الأمر لقصد الوعيد والتهديد وقيل هي لام العاقبة ثم خاطب سبحانه هؤلاء الذين وقع منهم ما وقع فقال :﴿ فتمتعوا فسوف تعلمون ﴾ ما يتعقب هذا التمتع الزائل من العذاب الأليم قرأ الجمهور ﴿ فتمتعوا ﴾ على الخطاب وقرأ أبو العالية بالتحتية على البناء للمفعول وفي مصحف ابن مسعود فليتمتعوا
٣٥ - ﴿ أم أنزلنا عليهم سلطانا ﴾ أم هي المنقطعة والاستفهام للإنكار والسلطان الحجة الظاهرة ﴿ فهو يتكلم ﴾ أي يدل كما في قوله :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ﴾ قال الفراء : إن العرب تؤنث السلطان يقولون : قضت به عليك السلطان فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح وبه جاء القرآن والتأنيث عندهم جائز لأنه بمعنى الحجة وقيل المراد بالسلطان هنا الملك ﴿ بما كانوا به يشركون ﴾ أي ينطق بإشراكهم بالله سبحانه ويجوز أن تكون الباء سببية : أي بالأمر الذي بسببه يشركون


الصفحة التالية
Icon