٥١ - ﴿ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ﴾ الضمير في فرأوه يرجع إلى الزرع والنبات الذي كان من أثر رحمة الله : أي فرأوه مصفرا من البرد الناشئ عن الريح التي أرسلها الله بعد اخضراره وقيل راجع إلى الريح وهو يجوز تذكيره وتأنيثه وقيل راجع إلى الأثر المدلول عليه بالآثار وقيل راجع إلى السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر والأول أولى واللام هي الموطئة وجواب القسم ﴿ لظلوا من بعده يكفرون ﴾ وهو يسد مسد جواب الشرط والمعنى : ولئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة فضربت زرعهم بالصفار لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله ويجحدون نعمه وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم وعدم صبرهم وضعف قلوبهم وليس كذا حال أهل الإيمان
ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال : ٥٢ - ﴿ فإنك لا تسمع الموتى ﴾ إذا دعوتهم فكذا هؤلاء لعدم فهمهم للحقائق ومعرفتهم للصواب ﴿ ولا تسمع الصم الدعاء ﴾ إذا دعوتهم إلى الحق ووعظتهم بمواعظ الله وذكرتهم الآخرة وما فيها وقوله :﴿ إذا ولوا مدبرين ﴾ بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات وكونهم صم الآذان قد تقدم تفسير هذا في سورة النمل
ثم وصفهم بالعمى فقال : ٥٣ - ﴿ وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ﴾ لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي أو لفقدهم للبصائر ﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ﴾ أي ما تسمع إلا هؤلاء لكونهم أهل التفكر والتدبر والاستدلال بالآثار على المؤثر ﴿ فهم مسلمون ﴾ أي مناقدون للحق متبعون له
٥٤ - ﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ﴾ ذكر سبحانه استدلالا آخر على كمال قدرته وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة ومعنى من ضعف : من نطفة قال الواحدي : قال المفسرون : من نطفة والمعنى من ذي ضعف وقيل المراد حال الطفولية والصغر ﴿ ثم جعل من بعد ضعف قوة ﴾ وهي قوة الشباب فإنه إذ ذاك تستحكم القوة وتشتد الخلقة إلى بلوغ النهاية ﴿ ثم جعل من بعد قوة ضعفا ﴾ أي عند الكبر والهرم ﴿ وشيبة ﴾ الشيبة هي تمام الضعف ونهاية الكبر قرأ الجمهور ضعف بضم الضاد في هذه المواضع وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وقرأ الجحدري بالفتح في الأولين والضم في الثالث قال الفراء : الضم لغة قريش والفتح لغة تميم قال الجوهري : الضعف والضعف خلاف القوة وقيل هو بالفتح في الرأي وبالضم في الجسم ﴿ يخلق ما يشاء ﴾ يعني من جميع الأشياء ومن جملتها القوة والضعف في بني آدم ﴿ وهو العليم ﴾ بتدبيره ﴿ القدير ﴾ على خلق ما يريده وأجاز الكوفيون من ضعف بفتح الضاد والعين


الصفحة التالية
Icon