٢٢ - ﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله ﴾ أي يفوض إليه أمره ويخلص له عبادته ويقبل عليه بكليته ﴿ وهو محسن ﴾ في أعماله لأن العبادة من غير إحسان لها ولا معرفة بما يحتاج إليه فيها لا تقع بالمقوع الذي تقع به عبادة المحسنين وقد صح عن الصادق المصدوق لما سأله جبريل عن الإحسان أنه قال له [ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ] ﴿ فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ أي اعتصم بالعهد الأوثق وتعلق به وهو تمثيل لحال من أسلم وجهه إلى الله بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى حبل متدل منه ﴿ وإلى الله عاقبة الأمور ﴾ أي مصيرها إليه لا إلى غيره وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي وعبد الله بن مسلم بن يسار ومن يسلم بالتشديد قال النحاس : والتخفيف في هذا أعرف كما قال عز و جل ﴿ فقل أسلمت وجهي لله ﴾
٢٣ - ﴿ ومن كفر فلا يحزنك كفره ﴾ أي لا تحزن لذلك فإن كفره لا يضرك بين سبحانه حال الكافرين بعد فراغه من بيان حال المؤمنين ثم توعدهم بقوله :﴿ إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ﴾ أي نخبرهم بقبائح أعمالهم ونجازيهم عليها ﴿ إن الله عليم بذات الصدور ﴾ أي بما تسره صدورهم لا تخفى عليه من ذلك خافية فالسر عنده كالعلانية
٢٤ - ﴿ نمتعهم قليلا ﴾ أي نبقيهم في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها فإن النعيم الزائل هو أقل قليل بالنسبة إلى النعيم الدائم وانتصاب قليلا على أنه صفة لمصدر محذوف : أي تمتيعا قليلا ﴿ ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ﴾ أي نلجئهم إلى عذاب النار فإنه لا أثقل منه على من وقع فيه وأصيب به فلهذا استعير له الغلظ
٢٥ - ﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ﴾ أي يعترفون بالله خالق ذلك لوضوح الأمر فيه عندهم وهذا اعتراف منهم بما يدل على التوحيد وبطلان الشرك ولهذا قال :﴿ قل الحمد لله ﴾ أي قل يا محمد الحمد لله على اعترافكم فكيف تعبدون غيره وتجعلونه شيركا له ؟ أو المعنى : فقل الحمد لله على ما هدانا له من دينه ولا حد لغيرة ثم أضرب عن ذلك فقال :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ أي لا ينظرون ولا يتدبرون حتى يعلموا أن خالق هذه الأشياء هو الذي تجب له العبادة دون غيره
٢٦ - ﴿ لله ما في السموات والأرض ﴾ ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره ﴿ إن الله هو الغني ﴾ عن غيره ﴿ الحميد ﴾ أي المستحق للحمد أو المحمود من عباده بلسان المقال أو بلسان الحال