ثم لما ذكر سبحانه أن له ما في السموات والأرض أتبعه بما يدل على أن له وراء ذلك ما لا يحيط به عدد ولا يحصر بحد فقال : ٢٧ - ﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ﴾ أي لو أن جميع ما في الأرض من الشجر أقلام ووحد الشجرة لما تقرلر في علم المعاني أن استغراق المفرد أشمل فكأنه قال : كل شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا وقد بريت أقلاما وجمع الأقلام لقصد التكثير : أي لو أن يعد كل شجرة من الشجر أقلاما قال أبو حيان : وهو من وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موقع المعرفة كقوله :﴿ ما ننسخ من آية ﴾ ثم قال سبحانه ﴿ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ﴾ أي يمده من بعد نفاده سبعة أبحر قرأ الجمهور ﴿ والبحر ﴾ بالرفع على أنه مبتدأ و ﴿ يمده ﴾ خبره والجملة في محل الحال : أي والحال أن البحر المحيط مع سعته يمده السبعة الأبحر مدا لا ينقطع كذا قال سيبويه وقال المبرد : إن البحر مرتفع بفعل مقدر تقديره ولو ثبت البحر حال كونه تمده من بعده سبعة أبحر وقيل : هو مرتفع بالعطف على أن وما في حيزها وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق ﴿ والبحر ﴾ بالنصب عطفا على اسم أن أو بفعل مضمر يفسره يمده وقرأ ابن هرمز والحسن يمده بضم حرف المضارعة وكسر الميم من أمد وقرأ جعفر بن محمد والبحر مداده وجواب لو ﴿ ما نفدت كلمات الله ﴾ أي كلماته التي هي عبارة عن معلوماته قال أبو علي الفارسي : المراد بالكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود ووافقه القفال فقال : المعنى أن الأشجار لو كانت أقلاما والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفذ تلك العجائب قال القشيري : رد القفال معنى الكلمات إلى المقدورات وحمل الآية على الكلام القديم أولى قال النحاس : قد تبين أن الكلمات ها هنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء لأنه جل وعلا علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السموات والأرض من شيء وعلم ما فيه من مثاقيل الذر وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو وما في الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق وقيل إن قريشا قالت : ما أكثر كلام محمد فنزلت قاله السدي وقيل إنها لما نزلت ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ في اليهود قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه فنزلت قال أبو عبيدة : المراد بالبحر هنا الماء العذب الذي ينبت الأقلام وأما الماء المالح فلا ينبت الأقلام قلت : ما أسقط هذا الكلام وأقل جدواه ﴿ إن الله عزيز حكيم ﴾ أي غالب لا يعجزه شيء ولا يخرج عن حكمته وعلمه فرد من أفراد مخلوقاته