الخطاب بقوله : ٢٩ - ﴿ ألم تر ﴾ لكل أحد يصلح لذلك أو للرسول صلى الله عليه و سلم ﴿ أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ﴾ أي يدخل كل واحد منهما في الآخر وقد تقدم تفسيره في سورة الحج والأنعام ﴿ وسخر الشمس والقمر ﴾ أي ذللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وتتميما للمنافع والجملة معطوفة على ما قبلهما مع اختلافهما ﴿ كل يجري إلى أجل مسمى ﴾ اختلف في الأجل المسمى ماذا هو ؟ فقيل هو يوم القيامة وقيل وقت الطلوع ووقت الأفول والأول أولى وجملة ﴿ وأن الله بما تعملون خبير ﴾ معطوفة على أن الله يولج : أي خبير بما تعملونه من الأعمال لا تخفى عليه منها خافية لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما تعملونه بالأولى قرأ الجمهور ﴿ تعملون ﴾ بالفوقية وقرأ السلمي ونصر بن عامر والدوري عن أبي عمرو بالتحتية على الخبر
والإشارة بقوله : ٣٠ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره والباء في ﴿ بأن الله ﴾ للسببية : أي ذلك بسبب أنه سبحانه ﴿ هو الحق ﴾ وغيره الباطل أو متعلقة بمحذوف : أي فعل ذلك ليعلموا أنه الحق ﴿ وأن ما يدعون من دونه الباطل ﴾ قال مجاهد : الذي يدعون من دونه هو الشيطان وقيل ما أشركوا به من صنم أو غيره وهذا أولى ﴿ وأن الله هو العلي الكبير ﴾ معطوفة على جملة ﴿ أن الله هو الحق ﴾ والمعنى : أن ذلك الصنع البديع الذي وصفه في الآيات المتقدمة للاستدلال به على حقية الله وبطلان ما سواه وعلوه وكبريائه : هو العلي في مكانته ذو الكبرياء في ربوبيته وسلطانه
ثم ذكر من عجيب صنعه وبديع قدرته نوعا آخر فقال : ٣١ - ﴿ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ﴾ أي بلطفه بكم ورحمته لكم وذلك من أعظم نعمه عليكم لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم في البحر لطلب الرزق وقرأ ابن هرمز بنعمات الله جمع نعمة ﴿ ليريكم من آياته ﴾ من للتبعيض : أي ليريكم بعض آياته قال يحيى بن سلام : وهو جري السفن في البحر بالريح وقال ابن شجرة : المراد بقوله من آياته ما يشاهدونه من قدرة الله وقال النقاش : ما يرزقهم الله في البحر ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ هذه الجملة تعليل لما قبلها : أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة لكل من له صبر بليغ وشكر كثير يصبر عن معاصي الله ويشكر نعمه