و أم في ٣ - ﴿ أم يقولون افتراه ﴾ هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة : أي بل أيقولون هو مفترى فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو معتقد الكفار مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ ومعنى افتراه افتعله واختلقه ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ما هو الحق في شأن الكتاب فقال :﴿ بل هو الحق من ربك ﴾ فكذبهم سبحانه في دعوى الافتراء ثم بين العلة التي كان التنزيل لأجلها فقال :﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ﴾ وهم العرب وكانوا أمة أمية لم يأتهم رسول وقيل قريش خاصة والمفعول الثاني لتنذر محذوف : أي لتنذر قوما العقاب وجملة ما أتاهم من نذير في محل نصب على الحا و من قبلك صفة لنذير وجوز أبو حيان أن تكون ما موصولة والتقدير : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك وهو ضعيف جدا فإن المراد تعليل الإنزال بالإنذار لقوم لم يأتهم نذير قبله لا تعليله بالإنذار لقوم قد أنذروا بما أنذرهم به وقيل المراد بالقوم أهل الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم ﴿ لعلهم يهتدون ﴾ رجاء أن يهتدوا أو كي يهتدوا ألأأ
٤ - ﴿ الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ﴾ قد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف والمراد من ذكرها هنا تعريفهم كمال قدرته وعظيم صنعه ليسمعوا القرآن ويتأملوه معنى خلق : أود
وأبدع قال الحسن : الأيام هنا هي من أيام الدنيا وقيل مقدار اليوم ألف سنة من سني الدنيا قاله الضحاك فعلى هذا المراد بالأيام هنا هي من أيام الآخرة لا من أيام الدنيا وليست ثم للترتيب في قوله :﴿ ثم استوى على العرش ﴾ وقد تقدم تفسير هذا مستوفى ﴿ ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ﴾ أي ليس لكم من دون الله أو من دون عذابه من ولي يواليكم ويد عنكم عذابه ولا شفيع يشفع لكم عنده ﴿ أفلا تتذكرون ﴾ تذكر تدبر وتفكر وتسمعون هذه المواعظ سماع من يفهم ويعقل حتى تنتفعوا بها
٥ - ﴿ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ﴾ لما بين سبحانه خلق السموات والأرض والمعنى : ينزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال سبحانه :﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ﴾ ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولا وطلوعا ألف سنة من أيام الدنيا وقيل المراد بالأمور المأمور به من الأعمال : أي ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض وقيل يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض وقيل ينزل الوحي مع جبريل وقيل العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله :﴿ ثم استوى على ﴾ ﴿ العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات ﴾ وما دون السموات موضع التصرف قال الله :﴿ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ﴾ ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال :﴿ ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ﴾ أي ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء والطلوع ن الأرض كما قدمنا وقيل إن المراد أنه يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره ألف سنة من أيام الدنيا وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ويموت من فيها وقيل هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة والمعنى : أنه يثبت ذلك عنده ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كل وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها وقيل معنى يعرج إليه : يثبت في علمه موجودا بالفعل في برهة من الزمان هي مقدار ألف سنة والمارد طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان وقيل يدبر أمر الحواديث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة ثم تعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا وقيل يقضي قضاء ألف سنة فتنزل به الملائكة ثم تعرج بعد الألف لألف آخر وقيل المراد أن الأعمال التيهي طاعات يدبرها الله سبحانه وينزل بها ملائكته ثم لا يعرج إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده وقيل الضمير في يعرج يعود إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده وقيل الضمير في يعرج يعود إلى الملك وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق وقد جاء صريحا في قوله :﴿ تعرج الملائكة والروح إليه ﴾ والضمير في إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه وهو الذي أقره الله فيه وقيل المعنى : يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى الله في ويم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير وقيل مسافة النزول ألف سنة ومسافة الطلوع ألف سنة روي ذلك عن الضحاك وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدة النهار بين ليلتين والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر :
( يومان يوم مقامات وأندية | ويوم سير إلى الأعداء تأديب ) |
( ويوم كظل الرمح قصر طوله | دم الزق عنا واصطفاف المزاهر ) |
( ويوم كإبهام القطة قطعته )
وقيل إن يوم القيامة فيه أيام فمنها ما مقداره ألف سنة ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة وقيل هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة ثم ينقل إلى نوع آخر فيعذب به خمسين ألف سنة وقيل مواقف القيامة خمسون موقفا كل موقف ألف سنة فيكون معنى ﴿ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ﴾ أنه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف وحكى الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله :﴿ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾ المسافة من الارض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل والمراد أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا وأراد بقوله :﴿ في يوم كان مقداره ألف سنة ﴾ المسافة التي بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطا وصعودا فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا وقيل إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة فقوله :﴿ في يوم كان مقداره ألف سنة ﴾ يعني يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة فكم يكون الشهر منه ؟ وكم تكون السنة منه ؟ وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة وقيل غير ذلك وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين كما سيأتي في آخر البحث إن شاء الله قرأ الجمهور ﴿ مما تعدون ﴾ بالفوقية على الخطاب وقرأ الحسن والسلمي وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة