والفاء في قوله : ١٤ - ﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله والباء في بما نسيتم للسببية وفيه إشعار بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق القول المتقدم بل بذاك وهذا
واختلف في النسيان المذكور هنا فقيل هو النسيان الحقيقي وهو الذي يزول عنده الذكر وقيل هو الترك والمعنى على الأول : أنهم لميعملوا لذلك اليوم فكانوا كالناسين له الذين لا يذكرونه وعلى الثاني لا بد من تقدير مضاف قبل لقاء : أي ذوقوا بسبب ترككم لما أمرتكم به عذاب لقاء يومكم هذا ورجح الثاني المبرد وأنشد :

( كأنه خارج من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد )
أي تركوه وكذا قال الضحاك ويحيى بن سلام : إن النسيان هنا بمعنى الترك قال يحيى بن سلام : والمعنى : بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم تركناكم من الخير وكذا قال السدي وقال مجاهد : تركناكم في العذاب وقال مقاتل : إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة : ذوقوا العذاب بما نسيتم واستعار الذوق للإحساس ومنه قول طفيل :
( فذوقوا كما ذقنا غداة محجة من الغيظ في أكبادنا والتحوب )
وقوله :﴿ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ﴾ تكرير لقصد التأكيد : أي ذوقوا العذاب الدائم الذي لا ينقطع أبدا بما كنتم تعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي قال الرازي في تفسيره : إن اسم الإشارة في قوله :﴿ بما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه : أن يكون إشارة إلى اللقاء وأن يكون إشارة إلى اليوم وأن يكون إشارة إلى العذاب
وجملة ١٥ - ﴿ إنما يؤمن بآياتنا ﴾ مستأنفة لبيان ما يستحق الهداية إلى الإيمان ومن لا يستحقها والمعنى : إنما يصدق بآياتنا وينتفع بها ﴿ الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ﴾ لا غيرهم ممن يذكر بها : أي يوعظ بها ولا يتذكر ولا يؤمن بها ومعنى خروا سجدا سقطوا على وجوههم ساجدين تعظيما لآيات الله وخوفا من سطوته وعذابه ﴿ وسبحوا بحمد ربهم ﴾ أي نزهوه عن كل ما لا يليق به ملتبسين بحمده على نعمه التي أجلها وأكملها الهداية إلى الإيمان والمعنى : قالوا في سجودهم : سبحان الله وبحمده أو سبحان ربي الأعلى وبحمده وقال سفيان : المعنى صلوا حمدا لربهم وجملة ﴿ وهم لا يستكبرون ﴾ في محل نصب على الحال : أي حال كونهم خاضعين لله متذللين له غير مستكبرين عليه


الصفحة التالية
Icon