ثم حكى سبحانه عنهم ما قد كان وقع منهم من قبل من المعاهدة لله ولرسوله بالثبات في الحرب وعدم الفرار عنه فقال : ١٥ - ﴿ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ﴾ أي من قبل غزوة الخندق ومن بعد بدر قال قتادة : وذكل أنهم غابوا عن بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والنصر فقالوا : لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن وهم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿ وكان عهد الله مسؤولا ﴾ أي مسؤولا عنه ومطلوبا صاحبه بالوفاء به ومجازى على ترك الوفاء به
١٦ - ﴿ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ﴾ فإن من حضر أجله مات أو قتل فر أو لم يفر ﴿ وإذا لا تمتعون إلا قليلا ﴾ أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا بعد فرارهم إلى أن تنقضي آجالهم وكل ما هو آت فهو قريب قرأ الجمهور ﴿ تمتعون ﴾ بالفوقية وقرأ يعقوب الحضرمي في رواية الساجي عنه بالتحتية وفي بعض الروايات لا تمتعوا بحذف النون إعمالا لإذن وعلى قراءة الجمهور هي ملغاة
١٧ - ﴿ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوء ﴾ أي هلاكا أو نقصا في الأموال وجدبا ومرضا ﴿ أو أراد بكم رحمة ﴾ يرحمكم بها من خصب ونصر وعافية ﴿ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ﴾ يواليهم ويدفع عنهم ﴿ ولا نصيرا ﴾ ينصرهم من عذاب الله
وقد أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي مريم الغساني أن أعرابيا قال : يا رسول الله أي شيء كان أول نبوتك ؟ قال : أخذ الله مني الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ثم تلا ﴿ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ﴾ ودعوة إبراهيم قال :﴿ وابعث فيهم رسولا منهم ﴾ وبشرى عيسى ابن مريم ورأت أم رسول الله صلى الله عليه و سلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال [ قيل يا رسول الله متى أخذ ميثاقك ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد ] وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عنه قال [ قيل يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد ] وفي الباب أحاديث قد صحح بعضها وأخرج الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والديلمي وابن عساكر من طريق قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ﴾ الآية قال :[ كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ] قبدأ به قبلهم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال :﴿ ميثاقهم ﴾ عهدهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس ﴿ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ﴾ قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر من طرق عن حذيفة قال :[ لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحد منا أصبعه فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه و سلم و ﴿ يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ﴾ فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيتسللون ونحن ثلثمائة أو نحن ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا رجلا حتى مر علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي فأتاني وأنا جث على ركبتي فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة قال حذيفة فتقاصرت إلى الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم قال : قم فقمت فقال : إنه كان في القوم خبر فأتني بخبر القوم قال : وأنا من أشد القوم فزعا وأشدهم قرا فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال : فوالله ما خلق الله فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد منه شيئا فلما وليت قال : يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسخ خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل ثم دخلت العسكر فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز شبرا فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه و سلم فلما انتصفت في الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين فقالوا : أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته وهو مشتمل في شملة يصلي وكان إذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أني تركتهم يترحلون وأنز الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ﴾ الآية ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ إذ جاءتكم جنود ﴾ قال : كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : لما كان ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت : انطلقي فانصري الله ورسوله فقالت الجنوب : إن الحرة لا تسري بالليل فغضب الله عليها وجعلها عقيما فأرسل عليهم الصبا فأطفأت نيرانهم وقطعت أطنابهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ] فذلك قوله :﴿ فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ﴾ وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ] وأخرج البخاري وغيره عن عائشة في قوله :﴿ إذ جاءوكم من فوقكم ﴾ الآية قالت : كان ذلك يوم الخندق وفي الباب أحاديث في وصف هذه الغزوة وما وقع فيها وقد اشتملت عليها كتب الغزوات والسير واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي البأس كما ينفي الكير خبث الحديد ] وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة هي طابة ] ولفظ أحمد [ إنما هي طابة ] وإسناده ضعيف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ ويستأذن فريق منهم النبي ﴾ قال : هم بنو حارثة قالوا :﴿ بيوتنا عورة ﴾ أي مختلة نخشى عليها السرق وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ﴿ ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها ﴾ قال : لأعطوها : يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على المدينة