قوله : ١٨ - ﴿ قد يعلم الله المعوقين منكم ﴾ يقال عاقه واعتاقه وعوقه : إذا صرفه عن الوجه الذي يريده قال الواحدي قال المفسرون : هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أنهم قالوا لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتقمهم أبو سفيان وحزبه فخلوهم وتعالوا إلينا وقيل إن القائل هذه المقالة اليهود قالوا ﴿ لإخوانهم ﴾ من المنافقين ﴿ هلم إلينا ﴾ ومعنى هلم أقبل واحضر وأهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث وغيرهم من العرب يقولون : هلم للواحد المذكر وهلمي للمؤنث وهلما للاثنين وهلموا للجماعة وقد مر الكلام على هذا في سورة الأنعام ﴿ ولا يأتون البأس ﴾ أي الحرب ﴿ إلا قليلا ﴾ خوفا من الموت وقيل المعنى : لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة من غير احتساب
١٩ - ﴿ أشحة عليكم ﴾ أي بخلاء عليكم لا يعاونوكم بحفر الخندق ولا بالنفقة في سبيل الله قاله مجاهد وقتادة وقيل أشحة بالقتال معكم وقيل بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم وقيل أشحة بالغنائم إذا أصابوها قاله السدي وانتصابه على الحال من فاعل يأتون أو من المعوقين وقال الفراء : يجوز في نصبه أربعة أوجه : منها النصب على الذم ومنها بتقدير فعل محذوف : أي يأتونه أشحة قال النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه للمعوقين ولا القائلين لئلا يفرق بين الصلة والموصول ﴿ فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ﴾ أي تدور يمينا وشمالا وذكل سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه ﴿ كالذي يغشى عليه من الموت ﴾ أي كعين الذي يغشى عليه من الموت وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه فيذهل ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف ويقال للميت إذا شخص بصره : دارت عيناه ودارت حماليق عينيه والكاف نعت مصدر محذوف ﴿ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ﴾ يقال سلق فلان فلانا بلسانه : إذا أغلظ له في القول مجاهرا قال الفراء : أي آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة ويقال : خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا ومنه قول الأعشى :
( فيهم المجد والسماحة والنجـ... دة فيهم والخاطب المسلاق )
قال القتيبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد والسلق الأذى ومنه قول الشاعر :
( لقد سلقت هوازنا... بنو أهل حتى انحنينا )
قال قتادة : معنى الآية : بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون : أعطنا فإنه قد شهدنا معكم فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم قال النحاس : وهذا قول حسن وانتصاب ﴿ أشحة على الخير ﴾ على الحالية من فاعل سلقوكم ويجوز أن يكون نصبه على الذم وقرأ ابن أبي عبلة برفع أشحة والمراد هنا أنهم أشحة على الغنيمة يشاحون المسلمين عند القسمة قاله يحيى بن سلام وقيل على المال أن ينفقوه في سبيل الله قاله السدي ويمكن أن يقال معناه : أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الموصوفين بتلك الصفات ﴿ لم يؤمنوا ﴾ إيمانا خالصا بل هم منافقون : يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ﴿ فأحبط الله أعمالهم ﴾ أي أبطلها بمعنى أظهر بطلانها لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضي الثوبا حتى يبطلها الله قال مقاتل : أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان ﴿ وكان ذلك على الله يسيرا ﴾ أي وكان ذلك الإحباط لأعمالهم أو كان نفاقهم على الله هينا


الصفحة التالية
Icon