لما قص سبحانه حال من تقدم من الكفار أتعب بما فيه التسلية لرسوله وبيان أن كفر الأمم السابقة بمن أرسل إليهم من الرسل هو كائن مستمر في الأعصر الأول فقال ٣٤ - ﴿ وما أرسلنا في قرية ﴾ من القرى ﴿ من نذير ﴾ ينذرهم ويحذرهم عقاب الله ﴿ إلا قال مترفوها ﴾ أي رؤساؤها وأغنياؤها وجبابرتها وقادة الشر لرسلهم ﴿ إنا بما أرسلتم به كافرون ﴾ أي بما أرسلتم به من التوحيد والإيمان وجملة ﴿ إلا قال مترفوها ﴾ في محل نصب على الحال
ثم ذكر ما افتخروا به من الأموال والأولاد وقاسوا حالهم في الدار الآخرة على حالهم في هذه الدار على تقدير صة ما أنذرهم به الرسل فقال : ٣٥ - ﴿ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾ والمعنى : أن الله فضلنا عليكم بالأموال والأولاد في الدنيا وذلك يدل على أنه قد رضي بما نحن عليه من الدين وما نحن بمعذبين في الآخرة بعد إحسانه إلينا في الدنيا ورضاه عنا
فأمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم بأن يجيب عنهم وقال : ٣٦ - ﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ﴾ أن يبسطه له ﴿ ويقدر ﴾ أي يضيق على من يشاء أن يضيقه عليه فهو سبحانه قد يرزق الكافر والعاصي استدراجا له وقد يمتحن المؤمن المطيع بالتقتير توفيرا لأجره وليس مجرد بسط الرزق لمن بسطه له يدل على أنه قد رضي عنه ورضي عمله ولا قبضه عمن قبضه عنه يدل على أنه لم يرض ولا رضي عمله فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى في مثل هذا من الغلط البين أو المغالطة الواضحة ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ هذا ومن جملة هؤلاء الأكثر من قاس أمر الآخرة على الأولى ثم زاد هذا الجواب تأييدا وتأكيدا
٣٧ - ﴿ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ﴾ أي ليسوا بالخصلة التي تقربكم عندنا قربى قال مجاهد : الزلفى القربى والزلفة القربة قال الأخفش : زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا فتكون زلفى منصوبة المحل قال الفراء : إن التي تكون للأموال والأولاد جميعا وقال الزجاج : إن المعنى وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالشيء يقربكم عندنا زلفى ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه وأنشد :
( نحن بما عندنا وأنت بما عنـ | دك راض والرأي مختلف ) |