ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر فقال : ١٩ - ﴿ وما يستوي الأعمى ﴾ أي المسلوب حاسة البصر ﴿ والبصير ﴾ الذي له ملكة البصر فشبه الكافر بالأعمى وشبه المؤمن بالبصير
٢٠ - ﴿ ولا الظلمات ولا النور ﴾ أي ولا تستوي الظلمات ولا النور فشبه الباطل بالظلمات وشبه الحق بالنور قال الأخفش : ولا في قوله ﴿ ولا النور ﴾
٢١ - ﴿ ولا الحرور ﴾ زائدة والتقدير وما يستوي الظلمات والنور ولا الظل والحرور والحرور شدة حر الشمس قال الأخفش : والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل وقيل عكسه وقال رؤبة بن العجاج : الحرور يكون بالليل خاصة والسموم يكون بالنهار خاصة وقال الفراء : السموم لا يكون إلا بالنهار والحرور يكون فيهما قال النحاس : وهذا أصح وقال قطرب : الحرور الحر والظر البرد والمعنى : أنه لا يستوي الظل الذي لا حر فيه ولا أذى والحر الذي يؤذي قيل أراد الثواب والعقاب وسمي الحر حرورا مبالغة في شدة الحر لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال الكلبي : أراد بالظل الجنة وبالحرور النار وقال عطاء : يعني ظل الليل وشمس النهار قيل وإنما جمع الظلمات وأفرد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق
ثم ذكر سبحانه تمثيلا آخر للمؤمن والكافر فقال : ٢٢ - ﴿ وما يستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ فشبه المؤمنين بالأحياء وشبه الكافرين بالأموات وقيل أراد تمثيل العلماء والجهلة وقال ابن قتيبة : الأحياء العقلاء والأموات الجهال قال قتادة : هذه كلها أمثال : أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن ﴿ إن الله يسمع من يشاء ﴾ أن يسمعه من أولياءه الذي خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته ﴿ وما أنت بمسمع من في القبور ﴾ يعني الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم : أي كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قبله قرأ الجمهور بتنوين ﴿ مسمع ﴾ وقطعه عن الإضافة
٢٣ - ﴿ إنا أرسلناك بالحق ﴾ يحوز أن يكون بالحق في محل نصب على الحال من الفاعل : أي محقين أو من المفعول : أي محقا أو نعت لمصدر محذوف : أي إرسالا ملتبسا بالحق أو هو متعلق ببشيرا : أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعد الحق والأولى أن يكون نعتا للمصدر المحذوف ويكون معنى بشيرا : بشيرا لأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها واقتصر على ذكر النذير دون البشير لأنه ألصق بالمقام