ثم أجاب عليهم الرسل دفعا لما زعموه من التطير بهم فـ ١٩ - ﴿ قالوا طائركم معكم ﴾ أي شؤمكم معكم من جهة أنفسكم لازم في أعناقكم وليس هو من شؤمنا قال الفراء : طائركم معكم : أي رزقكم وعملكم وبه قال قتادة قرأ الجمهور ﴿ طائركم ﴾ اسم فاعل : أي ما طار لكم من الخير والشر وقرأ الحسن اطيركم أي تطيركم ﴿ أإن ذكرتم ﴾ قرأ الجمهور من السبعة وغيرهم بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية على الخلاف بينهم في التسهيل والتحقيق وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه وقرأ أبو جعفر وزر بن حبيش وابن السميفع وطلحة بهمزتين مفتوحتين وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر والحسن أين بفتح الهمزة وسكون الباء على صيغة الظرف
واختلف سيبويه ويونس إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب ؟ فذهب سيبويه إلى أنه يجاب الاستفهام وذهب يونس إلى أنه يجاب الشرط وعلى القولين فالجواب هنا محذوف : أي أإن ذكرتم فطائركم معكم لدلالة ما تقدم عليه وقرأ الماجشون أن ذكرتم بهمزة مفتوحة : أي لأن ذكرتم ثم أضربوا عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم فقالوا :﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ أي ليس الأمر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في المعصية قال قتادة : مسرفون في تطيركم وقال يحيى بن سلام : مسرفون في كفركم وقال ابن بحر : السرف هنا الفساد والإسراف في الأصل مجاوزة الحد في مخالفة الحق
٢٠ - ﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ﴾ هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان نجارا وقيل إسكافا وقيل قصارا وقال مجاهد ومقاتل : هو حبيب بن إسرائيل نجارا وكان ينحت الأصنام وقال قتادة : كان يعبد الله في غار فلما سمع بخبر الرسل جاء يسعى وجملة ﴿ قال يا قوم اتبعوا المرسلين ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر : كأنه قيل فماذا قال لهم عند مجيئه ؟ فقيل : يا قوم اتبعوا المرسلين هؤلاء الذين أرسلوا إليكم فإنهم جاءوا بحق
ثم أكد ذلك وكرره فقال : ٢١ - ﴿ اتبعوا من لا يسألكم أجرا ﴾ أي لا يسألونكم أجرا على ما جاءوكم به من الهدى ﴿ وهم مهتدون ﴾ يعني الرسل
ثم أبرز الكلام في معرض النصيحة لنفسه وهو يريد مناصحة قومه فقال : ٢٢ - ﴿ وما لي لا أعبد الذي فطرني ﴾ ؟ أي أي مانع من جانبي يمنعني من عبادة الذي خلقني ثم رجع إلى خطابهم لبيان أنه ما أراد نفسه بل أرادهم بكلامه فقال :﴿ وإليه ترجعون ﴾ ولم يقل إليه أرجع وفيه مبالغة في التهديد