٤٤ - ﴿ إلا رحمة منا ﴾ استثناء مفرغ من أعم العلل : أي لا صريخ لهم ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلا لرحمة منا كذا قال الكسائي والزجاج وغيرهما وقيل هو استثناء منقطع : أي لكن لرحمة منا وقيل هو منصوب على المصدرية بفعل مقدر ﴿ و ﴾ انتصاب ﴿ متاعا ﴾ على العطف على رحمة : أي نمتعهم بالحياة الدنيا ﴿ إلى حين ﴾ وهو الموت قاله قتادة وقال يحيى بن سلام : إلى القيامة
٤٥ - ﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ أي ما بين أيديكم من الآفات والنوازل فإنها محيطة بكم وما خلفكم منها قال قتادة معنى ﴿ اتقوا ما بين أيديكم ﴾ أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ﴿ وما خلفكم ﴾ في الآخرة وقال سعيد بن جبير ومجاهد ﴿ ما بين أيديكم ﴾ ما مضى من الذنوب ﴿ وما خلفكم ﴾ ما بقي منها وقيل ﴿ ما بين أيديكم ﴾ الدنيا ﴿ وما خلفكم ﴾ الآخرة قاله سفيان وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس وقيل ﴿ ما بين أيديكم ﴾ ما ظهر لكم ﴿ وما خلفكم ﴾ ما خفي عنكم وجواب إذا محذوف والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا كما يدل عليه ﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ أي رجاء أن ترحموا أو كي ترحموا أو راجين أن ترحموا
٤٦ - ﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ ما هي النافية وصيغة المضارع للدلالة على التجدد ومن الأولى مزيدة للتوكيد والثانية للتبعيض : والمعنى : ما تأتيهم من آية دالة على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم وعلى صحة ما دعا إليه من التوحيد في حال من الأحوال إلا كانوا عنها معرضين وظاهره يشمل الآيات التنزيلية والآيات التكوينية وجملة ﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾ في محل نصب على الحال كما مر تقريره في غير موضع والمراد بالإعراض عدم الالتفات إليها وترك النظر الصحيح فيها وهذه الآية متعلقة بقوله :﴿ يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ﴾ أي إذا جاءتهم الرسل كذبوا وإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها
٤٧ - ﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ أي تصدقوا على الفقراء مما أعطاكم الله وأنعم به عليكم من الأموال قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء وقال مقاتل : إن المؤمنين قالوا لكفار قريش : أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما في قوله سبحانه :﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ﴾ فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله :﴿ قال الذين كفروا للذين آمنوا ﴾ استهزاء بهم وتكهما بقولهم ﴿ أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ﴾ أي من لو يشاء الله رزقه وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون : إن الرزاق هو الله وأنه يغني من يشاء ويفقر من يشاء فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين وقالوا : نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه وأفقر بعضا وأمر الغني أن يطعم الفقير وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة وقولهم :﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ هو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله أو إنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا وقوله :﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ من تمام كلام الكفار والمعنى : أنكم أيها المسلمون في سؤال المال وأمرنا بإطعام الفقراء لفي ضلال في غاية الوضوح والظهور وقيل هو من كلام الله سبحانه جوابا على هذه المقالة التي قالها الكفار وقال القشيري والماوردي : إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة وقد كان في كفار قريش وغيرهم من سائر العرب قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين ومناقضة لهم وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس


الصفحة التالية
Icon