ثم وبخهم الله سبحانه وقرعهم بقوله : ٦٠ - ﴿ ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ وهذا من جملة ما يقال لهم والعهد الوصية : أي ألم أوصكم وأبلغكم عن ألسن رسلي أن لا تعبدوا الشيطان : أي لا تطيعوه قال الزجاج : المعنى ألم أتقدم إليكم على لسان الرسل يا بني آدم وقال مقاتل : يعني الذين أمروا بالاعتزال قال الكسائي ك لا للنهي وقيل المراد بالعهد هنا : الميثاق المأخوذ عليهم حين أخرجوا من ظهر آدم وقيل هو ما نصبه الله لهم من الدلائل العقلية التي في سمواته وأرضه وجملة ﴿ إنه لكم عدو مبين ﴾ تعليل لما قبلها من النهي عن طاعة الشيطان وقبول وسوسته
وجملة ٦١ - ﴿ وأن اعبدوني ﴾ عطف على أن لا تعبدوا وأن في الموضعين هي المفسرة للعهد الذي فيه معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية فيهما : أي لم أعهد إليكم بأن لا تعبدوا بأن اعبدوني أو ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان وفي عبادتي ﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ أي عبادة الله وتوحيده أو الإشارة إلى دين الإسلام
ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان لبني آدم فقال : ٦٢ - ﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾ اللام هي الموطئة للقسم والجملة مستأنفة للتقريع والتوبيخ أي والله لقد أضل إلخ قرأ نافع وعاصم ﴿ جبلا ﴾ بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ ابن أبي إسحاق والزهري وابن هرمز بضمتين مع تشديد اللام وكذلك قرأ الحسن وعيسى بن عمر والنضر بن أنس وقرأ أبو يحيى وحماد بن سلمة والأشهب العقيلي بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام قال النحاس : وأبينها القراءة الأولى والدليل على ذلك أنهم قد قرأوا جميعا : والجبلة الأولين بكسر الجيم والباء وتشديد اللام فيكون جبلا جمع جبلة واشتقاق الكل من جبل الله الخلق : أي خلقهم ومعنى الآية : أن الشيطان قد أغوى خلقا كثيرا كما قال مجاهد وقال قتادة : جموعا كثيرة وقال الكلبي : أمما كثيرة قال الثعلبي : والقراءات كلها بمعنى الخلق وقرئ جيلا بالجيم والياء التحتية قال الضحاك : الجيل الواحد عشرة آلاف والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز و جل ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب والهمزة في قوله :﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ للتقريع والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام كما تقدم في نظائره : أي أتشاهدون آثار العقوبات أفلم تكونوا تعقلون أو أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكن أو أفلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا قرأ الجمهور ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ بالخطاب وقرأ طلحة وعيسى بالغيبة