٨٨ - ﴿ فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم ﴾ قال الواحدي : قال المفسرون : كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم بذلك لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم لتلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه وأراد أن يتخلف عنهم فاعتل بالسقم : وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم فنظر إلى النجوم يريهم أنه مستدل بهم على حاله فلما نظر إليها قال إني سقيم أي سأسقم وقال الحسن : إنهم لما كلفوه أن يخرج معهم تفكر فيما يعمل فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأي : أي فيما طلع له منه فعلم أن كل شيء يسقم
٨٩ - ﴿ فقال إني سقيم ﴾ قال الخليل والمبرد : يقال للرجل إذا فكر في الشيء يدبره : نظر في النجوم وقيل كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تعتاده فيها الحمى وقال الضحاك : معنى إني سقيم : سأسقم سقم الموت لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت وهذا تورية وتعريض كما قال للملك لما سأله عن سارة هي أختي : يعني أخوة الدين وقال سعيد بن جبير : أشار لهم إلى مرض يسقم ويعدي وهو الطاعون وكانوا يهربون من ذلك
ولهذا قال : ٩٠ - ﴿ فتولوا عنه مدبرين ﴾ أي تركوه وذهبوا مخافة العدوى
٩١ - ﴿ فراغ إلى آلهتهم ﴾ يقال راغ يروغ روغا وروغانا : إذا مال ومنه طريق رائغ أي مائل ومنه قول الشاعر :

( فيريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب )
وقال السدي : ذهب إليهم وقلا أبو مالك : جاء إليهم وقال الكلبي : أقبل عليهم والمعنى متقارب ﴿ فقال ألا تأكلون ﴾ أي فقال إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاء وسخرية : ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها وخاطبها كما يخاطب من يعقل لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة
وكذا قوله : ٩٢ - ﴿ ما لكم لا تنطقون ﴾ فإنه خاطبهم خطاب من يعقل والاستفهام للتهكم بهم قد علم أنها جمادات لا تنطق قيل إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم وقيل تركوه للسدنة وقيل إن إبراهيم هو الذي قرب إليهم الطعام مستهزئا بها
٩٣ - ﴿ فراغ عليهم ضربا باليمين ﴾ أي فمال عليهم يضربهم ضربا باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف أو هو مصدر لراغ لأنه بمعنى ضرب قال الواحدي : قال المفسرون : يعني بيده اليمنى يضربهم بها وقال السدي : بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين قال الفراء وثعلب ضربا بالقوة واليمين القوة وقال الضحاك والربيع بن أنس : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم ﴾ وقيل المراد باليمين هنا العدل كما في قوله :﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين ﴾ أي بالعدل واليمين كناية عن العدل كما أن الشمال كناية عن الجور وأول هذه الأقوال أولاها


الصفحة التالية
Icon