٩٤ - ﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ أي أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها ويزفون في محل نصب على الال من فاعل أقبلوا قرأ الجمهور ﴿ يزفون ﴾ بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة وقرأ حمزة بضم الياء من أزف يزف : أي دخل في الزفيف آو يحملون غيرهم على الزفيف قال الأصمعي : أزففت الإبل : أي حملتها على أن تزف وقيل هما لغتان يقال زف القوم وأزفوا وزفت العروس وأزففتها حكي ذلك عن الخليل قال النحاس : زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة : يعني يزفون بضم الياء وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشبهها بقولهم أطردت الرحل : أي صيرته إلى ذلك وقال المبرد : الزفيف الإسراع وقال الزجاج : الزفيف أول عدو النعام وقال قتادة والسدي : ومعنى يزفون يمشون وقال الضحاك : يسعون وقال يحيى بن سلام : يرعدون غضبا وقال مجاهد : يختالون : أي يمشون مشي الخيلاء وقيل يتسللون تسللا بين المشي والعدو والأولى تفسير يزفون بيسرعون وقرئ يزفون على البناء للمفعول وقرئ يزفون كيرمون وحكى الثعلبي عن الحسن ومجاهد وابن السميفع أنهم قرأوا يرفون بالراء المهملة وهي ركض بين المشي والعدو
٩٥ - ﴿ قال أتعبدون ما تنحتون ﴾ لما أنكروا على إبراهيم ما فعله بالأصنام ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال مبكتا لهم ومنكرا عليهم ﴿ أتعبدون ما تنحتون ﴾ أي أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها والنحت النجر والبري نحته ينحته بالكسر نحتا : أي براه والنحاتة البراية
وجملة ٩٦ - ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل تعبدون وما في وما تعملون موصولة : أي وخلق الذي تصنعونه على العموم ويدخل فيها الأصنام التي ينحتونها دخولا أوليا ويكون معنى العمل هنا التصوير والنحت ونحوهما ويجوز أن تكون مصدرية : أي خلقكم وخلق عملكم ويجوز أن تكون استفهامية ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع : أي وأي شيء تعملون ويجوز أن تكون نافية أي إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا وقد طول صاحب الكشاف الكلام في رد قول من قال إنها مصدرية ولكم بما لا طائل تحته وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام
٩٧ - ﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التي قبلها قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطا من حجارة ويملأوه حطبا ويضرموه ثم يلقوه فيه والجحيم النار الشديدة الاتقاد قال الزجاج وكل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم واللام في الجحيم عوض عن المضاف إليه : أي في جحيم ذلك البنيان
ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها وجعلها عليه : بردا وسلاما وهو معنى قوله : ٩٨ - ﴿ فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ﴾ الكيد : المكر والحيلة : أي احتالوا لإهلاكه فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التي لا يقدرون على دفعها ولا يمكنهم جحدها فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل وصار المنكر له سافلا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحا ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذي عينين وظهرت حجة الله لإبراهيم وقامت براهين نبوته وسطعت أنوار معجزته


الصفحة التالية
Icon