١٠٤ - ﴿ وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا ﴾ أي عزمت على الإتيان بما رأيته قال المفسرون : لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وجعله مصدقا بمجرد العزم وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا قال القرطبي : قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع ولو وقع لم يتصور رفعه فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء
قال : ومعنى ١٠٥ - ﴿ صدقت الرؤيا ﴾ فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك هذا أصح ما قيل في هذا الباب وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه لأن معنى ذبحت الشيء قطعته وقد كان إبراهيم يأخذ السكين فيمر بها على حلقه فتنقلب كما قال مجاهد وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم وقالت طائفة منهم السدي : ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس فجعل إبراهيم يحز ولا يقطع شيئا وقال بعضهم إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم وإنما رأى أنه أضجعه للذبح فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي فلما أتى بما به من الإضجاع قيل له قد ﴿ صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن فالجملة كالتعليل لما قبلها قال مقاتل : جزاه الله سبحانه بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه
١٠٦ - ﴿ إن هذا لهو البلاء المبين ﴾ البلاء والابتلاء : الاختبار والمعنى : إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده وقيل المعنى : إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش يقال أبلاه الله إبلاء وبلاء : إذا أنعم عليه : والأول أولى وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير والشر ومنه ﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾ ولكن المناسب للمقام المعنى الأول قال أبو زيد : هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده قال : وهذا من البلاء المكروه


الصفحة التالية
Icon