٤ - ﴿ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ أي عجب الكفار الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم في عزة وشقاق أن جاءهم منذر منهم : أي رسول من أنفسهم ينذرهم بالعذاب إن استمروا على الكفر وأن وما في حيزها في محل نصب بنزع الخافض أي من أن جاءهم وهو كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع من أنواع كفرهم ﴿ وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ﴾ قالوا هذا القول لما شاهدوا ما جاء به من المعجزات الخارجة عن قدرة البشر : أي هذا المدعي للرسالة ساحر فيما يظهره من المعجزات كذاب فيما يدعيه من أن الله أرسله قيل ووضع الظاهر موضع المضمر لإظهار الغضب عليهم وأن ما قالواه لا يتجاسر على مثله إلا المتوغلون في الكفر
ثم أنكروا ما جاء به صلى الله عليه و سلم من التوحيد وما نفاه من الشركاء لله فقالوا : ٥ - ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا ﴾ أي صيرها إلها واحدا وقصرها على الله سبحانه ﴿ إن هذا لشيء عجاب ﴾ أي لأمر بالغ العجاب بالضم والعجاب بالتشديد أكثر منه قرأ الجمهور عجاب مخففا وقرأ علي والسلمي وعيسى بن عمر وابن مقسم بتشديد الجيم قال مقاتل : عجاب يعني بالتخفيف لغة أزد شنوءة قيل والعجاب بالتخفيف والتشديد يدلان على أنه قد تجاوز الحد في العجب كما يقال الطويل الذي فيه طول والطوال الذي قد تجاوز حد الطول وكلام الجوهري يفيد اختصاص المبالغة بعجاب مشدد الجيم لا بالمخفف وقد قدمنا في صدر هذه السورة سبب نزول هذه الآيات
٦ - ﴿ وانطلق الملأ منهم ﴾ المراد بالملأ : الأشراف كما هو مقرر في غير موضع من تفسير الكتاب العزيز أي انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب كما تقدم قائلين ﴿ أن امشوا ﴾ أي قائلين لبعضهم بعضا امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه ﴿ واصبروا على آلهتكم ﴾ أي اثبتوا على عبادتها وقيل المعنى : وانطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام امشوا واصبروا على آلهتكم و أن في قوله :﴿ أن امشوا ﴾ هي المفسرة للقول المقدر أو لقوله وانطلق لأنه مضمن معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية معمولة للمقدر أو للمذكور : أي بأن امشوا وقيل المراد بالانطلاق : الاندفاع في القول وامشوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها : أي اجتمعوا وأكثروا وهو بعيد جدا وخلاف ما يدل عليه الانطلاق والمشي بحقيقتهما وخلاف ما تقدم في سبب النزول وجملة ﴿ إن هذا لشيء يراد ﴾ تعليل لما تقدمه من الأمر بالصبر : أي يريده محمد بنا وبآلهتنا ويود تمامه ليعلو علينا وتكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد فيكون هذا الكلام خارجا مخرج التحذير منه والتنفير عنه وقيل المعنى : إن هذا الأمر يريده الله سبحانه وما أراده فهو كائن لا محالة فاصبروا على عبادة آلهتكم وقيل المعنى : إن دينكم لشيء يراد : أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه والأول أولى
٧ - ﴿ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ﴾ أي ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد في الملة الآخرة وهي ملة النصرانية فإنها آخر الملل قبل ملة الإسلام كذا قال محمد بن كعب القرظي وقتادة ومقاتل والكلبي والسدي وقال مجاهد : يعنون ملة قريش وروي مثله عن قتادة أيضا وقال الحسن : المعنى ما سمعنا : أن هذا يكون آخر الزمان وقيل المعنى : ما سمعنا من اليهود والنصارى أن محمد رسول ﴿ إن هذا إلا اختلاق ﴾ أي ما هذا إلا كذب اختلقه محمد وافتراه


الصفحة التالية
Icon