وجملة ٢٧ - ﴿ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ﴾ مستأنفة مقررة لما قبلها من أمر البعث والحساب : أي ما خلقنا هذه الأشياء خلقا باطلا خارجا عن الحكمة الباهرة بل خلقناها للدلالة على قدرتنا فانتصاب باطلا على المصدرية أو على الحالية أو على أنه مفعول لأجله والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى المنفي قبله وهو مبتدأ وخبره ﴿ ظن الذين كفروا ﴾ أي مظنونهم فإنهم يظنون أن هذه الأشياء خلقت لا لغرض ويقولون إنه لا قيامة ولا بعث ولا حساب وذلك يستلزم أن يكون خلق هذه المخلوقات باطلا ﴿ فويل للذين كفروا من النار ﴾ والفاء لإفادة ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل : أي فويل لهم بسبب النار المترتبة على ظنهم وكفرهم
ثم وبخهم وبكتهم فقال : ٢٨ - ﴿ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ﴾ قال مقاتل : قال كفار قريش للمؤمنين : إنا نعطى في الآخرة كما تعطون فنزلت وأم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة : أي نجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا بفرائضه كالمفسدين في الأرض بالمعاصي ثم أضرب سبحانه إضرابا آخر وانتقل عن الأول إلى ما هو أظهر استحالة منه فقال :﴿ أم نجعل المتقين كالفجار ﴾ أي بل نجعل أتقياء المؤمنين كأشقاء الكافرين والمنافقين والمنهمكين في معاصي الله سبحانه من المسلمين وقيل إن الفجار هنا خاص بالكافرين وقيل المراد بالمتقين الصحابة ولا وجه للتخصيص بغير مخصص والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
٢٩ - ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ﴾ ارتفاع كتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف وأنزلناه إليك صفة له ومبارك خبر ثان للمبتدأ ولا يجوز أن يكون صفة أخرى لكتاب لما تقرر من أنه لا يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقد جوزه بعض النحاة والتقدير : القرآن كتاب أنزلناه إليك يا محمد كثير الخير والبركة وقرئ مباركا على الحال وقوله :﴿ ليدبروا ﴾ أصله ليتدبر فأدغمت التاء في الدار وهو متعلق بأنزلناه وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه لا لمجرد التلاوة بدون تدبر قرأ الجمهور ليدبروا بالإدغام وقرأ أبو جعفر وشيبة لتدبروا بالتاء الفوقية على الخطاب ورويت هذه القراءة عن عاصم والكسائي وهي قراءة علي رضي الله عنه واوصل لتتدبروا بتاءين فحذف إحداهما تخفيفا ﴿ وليتذكر أولو الألباب ﴾ أي ليتعظ أهل العقول والألباب جمع لب : وهو العقل


الصفحة التالية
Icon