١٥ - ﴿ فاعبدوا ما شئتم ﴾ أن تعبدوه ﴿ من دونه ﴾ هذا الأمر للتهديد والتقريع والتوبيخ كقوله :﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ وقيل إن الأمر على حقيقته وهو منسوخ بآية السيف والأول أولى ﴿ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ﴾ أي إن الكاملين في الخسران هم هؤلاء لأن من دخل النار فقد خسر نفسه وأهله قال الزجاج : وهذا عيني به الكفار فإنهم خسروا وأنفسهم بالتخليد في النار وخسروا أهليلهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة وجملة ﴿ ألا ذلك هو الخسران المبين ﴾ مستأنفة لتأكيد ما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران ووصفه بكونه مبينا فإنه يدل على أنه الفرد الكامل من أفراد الخسران وأنه لا خسران يساويه ولا عقوبة تدانيه
ثم بين سبحانه هذا الخسران الذي حل بهم والبلاء النازل فوقهم بقوله : ١٦ - ﴿ لهم من فوقهم ظلل من النار ﴾ الظلل عبارة عن أطباق النار : أي لهم من فوقهم أطباق من النار تلتهب عليهم ﴿ ومن تحتهم ظلل ﴾ أي أطباق من النار وسمي ما تحتهم ظللا لأنها تظل من تحتها من أهل النار لأن طبقات النار صار في كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار ومثل هذه الآية قوله :﴿ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ﴾ وقوله :﴿ يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره من وصف عذابهم في النار وهو مبتدأ وخبره قوله :﴿ يخوف الله به عباده ﴾ أي يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب ليخافوه فيتقوه وهو معنى ﴿ يا عباد فاتقون ﴾ أي اتقوا هذه المعاصي الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم وقيل هو للكفار وأهل المعاصي وقيل هو عام للمسلمين والكفار
١٧ - ﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ﴾ الموصول مبتدأ وخبره قوله :﴿ لهم البشرى ﴾ والطاغوت بناء مبالغة في المصدر كالرحموت والعظموت وهو الأوثان والشيطان وقال مجاهد وابن زيد : هو الشيطان وقال الضحاك والسدي : هو الأوثان وقيل إنه الكاهن وقيل هو اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت وقيل إنه اسم عربي مشتق من الطغيان قال الأخفش : الطاغوت جمع ويجوز أن يكون واحده مؤنثا ومعنى اجتنبوا الطاغوت : أعرضوا عن عبادته وخصوا عبادتهم بالله عز و جل وقوله : أن يعبدوها في محل نصب على البدل من الطاغوت بدل اشتمال كأنه قال : اجتنبوا عبادة الطاغوت وقد تقدم الكلام على تفسير الطاغوت مستوفى في سورة البقرة وقوله :﴿ وأنابوا إلى الله ﴾ معطوف على اجتنبوا والمعنى : رجعوا إليه وأقبلوا على عبادته معرضين عما سواه ﴿ لهم البشرى ﴾ بالثواب الجزيل وهو الجنة وهذه البشرى إما على ألسنة الرسل أو عند حضور الموت أو عند البعث