١٨ - ﴿ فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﴾ المراد بالعباد هنا العموم فيدخل الموصوفون بالاجتناب والإنابة إليه دخولا أوليا والمعنى : يستمعون القول الحق من كتاب الله وسنة رسوله فيتبعون أحسنه أي محكمه ويعملون به قال السدي : يتبعون أحسن ما يؤمرون به فيعملون بما فيه وقيل هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به وقيل يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن وقيل يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص وقيل يأخذون بالعفو ويتركون العقوبة ثم أثنى سبحانه على هؤلاء المذكورين فقال :﴿ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ﴾ أي هم الذين أوصلهم الله إلى الحق وهم أصحاب العقول الصحيحة لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم ولم ينتفع من عداهم بعقولهم
ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة وحرم السعادة فقال : ١٩ - ﴿ أفمن حق عليه كلمة العذاب ﴾ من هذه يحتمل أن تكون موصولة في محل رفع بالابتداء وخبرها محذوف : أي كمن يخاف أو فأنت تخلصه أو تتأسف عليه ويحتمل أن تكون شرطية وجوابه ﴿ أفأنت تنقذ من في النار ﴾ فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معين الإنكار وقال سيبويه إنه كرر الاستفهام لطول الكلام وقال الفراء : المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب والمراد بكلمة العذاب هنا هي قوله تعالى لإبليس :﴿ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾ وقوله :﴿ لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ﴾ ومعنى الآية التسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه كان حريصا على إيمان قومه فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينقذه من النار بأن يجعله مؤمنا قال عطاء : يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه و سلم عن الإيمان وفي الآية تنزيل لمن يستحق العذاب بمن قد صار فيه وتنزيل دعائه إلى الإيمان منزلة الإخراج له من عذاب النار
ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللا من فوقهم النار ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة فقال : ٢٠ - ﴿ لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ﴾ وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض ومعنى مبنية أنها مبنية بناء المنازل في إحكام أساسها وقوة بنائها وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها ﴿ تجري من تحتها الأنهار ﴾ أي مت تحت تلك الغرف وفي ذلك كما لبهجتها وزيادة لرونقها وانتصاب ﴿ وعد الله ﴾ على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة لأن قوله ﴿ لهم غرف ﴾ في معنى وعدهم الله بذلك وجملة ﴿ لا يخلف الله الميعاد ﴾ مقررة للوعد : أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير والشر
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم ﴾ الآية قال : هم الكفار الذين خلقهم الله للنار زالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ خسروا أنفسهم وأهليهم ﴾ قال : أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله فغيبوهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : كان سعيد بن زيد وأبو ذر وسلمان يتبعون في الجاهلية أحسن القول والكلام لا إله إلا الله قالوا بها فأنزل الله على نبيه ﴿ يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﴾ الآية وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد :[ قال لما نزل ﴿ فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﴾ أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم مناديا فنادى : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فاستقبل عمر الرسول فرده فقال : يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو يعلم الناس قدر رحمة ربي لاتكلوا ولو يعلمون قدر سخط ربي وعقابه لاستصغروا أعمالهم ] وهذا الحديث أصله في الصحيح من حديث أبي هريرة