ثم زاد في الوعظ والتذكير فقال : ٣٢ - ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾ قرا الجمهور التناد بتخفيف الدال وحذف الياء والأصل التنادي وهو التفاعل من النداء يقال تنادى القوم : أي نادى بعضهم بعضا وقرأ الحسن وابن السميفع ويعقوب وابن كثير ومجاهد بإثبات الياء على الأصل وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة بتشديد الدال قال بعض أهل اللغة هو لحن لأنه من ند يند : إذا مر على وجهه هاربا قال النحاس : وهذا غلط والقراءة حسنة على معنى التنافي قال الضحاك : في معناه أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندوا هربا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قوله :﴿ يوم التناد ﴾ وعلى قراءة الجمهور المعنى : يوم ينادي بعضهم بعضا أو ينادي أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار أو ينادي فيه بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء أو يوم ينادي فيه كل أناس بإمامهم ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني
وقوله : ٣٣ - ﴿ يوم تولون مدبرين ﴾ بدل من يوم التناد : أي منصرفين عن الموقف إلى النار أو فارين منها قال قتادة ومقاتل : المعنى إلى النار بعد الحساب وجملة ﴿ ما لكم من الله من عاصم ﴾ في محل نصب على الحال : أي ما لكم من يعصمكم من عذاب الله ويمنعكم منه ﴿ ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾ يهديه إلى طريق الرشاد
ثم زاد في وعظهم وتذكيرهم فقال : ٣٤ - ﴿ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ﴾ أي يوسف بن يعقوب والمعنى : أن يوسف بن يعقوب جاءهم بالمعجزات والآيات الواضحات من قبل مجيء موسى إليهم : أي جاء إلى آبائكم فجعل المجيء إلى الآباء مجيئا إلى الأبناء وقيل المراد بيوسف هنا يوسف بن إفرائيم بن يوسف ين يعقوب وكان أقام فيهم نبيا عشرين سنة وحكى النقاش عن الضحاك أن الله بعث إليهم رسولا من الجن يقال له يوسف والأول أولى وقد قيل إن فرعون موسى أدرك أيام يوسف بن يعقوب لطول عمره ﴿ فما زلتم في شك مما جاءكم به ﴾ من البينات ولم تؤمنوا به ﴿ حتى إذا هلك ﴾ يوسف ﴿ قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ﴾ فكفروا به في حياته وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ﴿ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ﴾ أي مثل ذلك الضلال الواضح يضل الله من هو مسرف في معاصي الله مستكثر منها مرتاب في دين الله شاك في وحدانيته ووعده ووعيده
والموصول في قوله : ٣٥ - ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ بدل من من والجمع باعتبار معناها أو بيان لها أو صفة أو في محل نصب بإضمار أعني أو خبر مبتدأ محذوف : أي هم الذين أو مبتدأ وخبره يطبع ﴿ بغير سلطان ﴾ متعلقق بيجادلون : أي يجادلون في آيات الله بغير حجة واضحة و ﴿ أتاهم ﴾ صفة لسلطان ﴿ كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ﴾ يحتمل أن يراد به التعجب وأن يراد به الذم كبئس وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون وقيل فاعله ضمير يعود إلى من في من هو مسرف والأول أولى وقوله :﴿ عند الله ﴾ متعلق بكبر وكذلك ﴿ عند الذين آمنوا ﴾ قيل هذا من كلام الرجل المؤمن وقيل ابتداء كلام من الله سبحانه ﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ أي كما طبع على قلوب هؤلاء المجادلين فكذلك يطبع : أي يختم على كل قلب متكبر جبار قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر فحذف كل الثانية لدلالة الأولى عليها والمعنى : أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له فيكون القلب مرادا به الجملة لأن القلب هو محل التكبر وسائر الأعضاء تبع له في ذلك وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر


الصفحة التالية
Icon