ثم عجب سبحانه من أحوال المجادلين في آيات الله فقال : ٦٩ - ﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله ﴾ وقد سبق بيان معنى المجادلة ﴿ أنى يصرفون ﴾ أي كيف يصرفون عنها مع قيام الأدلة الدالة على صحتها وأنها في أنفسها موجبة للتوحيد قال ابن زيد : هم المشركون بدليل قوله :﴿ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ﴾ قال القرطبي : وقال أكثر المفسرين نزلت في القدرية قال ابن سيرين : إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت
ويجاب عن هذا بأن الله سبحانه قد وصف هؤلاء بصفة تدل على غير ما قالوه فقال :﴿ الذين كذبوا بالكتاب ﴾ أي بالقرآن وهذا وصف لا يصح أن يطلق على فرقة من فرق الإسلام والموصول إما في محل جر على أنه نعت للموصول الأول أو بدل منمه ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم والمراد بالكتاب إما القرآن أو جنس الكتب المنزلة من عند الله وقوله :﴿ وبما أرسلنا به رسلنا ﴾ معطوف على قوله بالكتاب ويراد به ما يوحى إلى الرسل من غير كتاب إن كانت اللام في الكتاب للجنس أو سائر الكتب إن كان المراد بالكتاب القرآن ﴿ فسوف يعلمون ﴾ عاقبة أمرهم ووبال كفرهم وفي هذا وعيد شديد
والظرف في قوله :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم ﴾ متعلق بيعلمون : أي فسوف يعلمون وقت كون الأغلال في أعناقهم ﴿ والسلاسل ﴾ معطوف على الأغلال والتقدير : إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم ويجوز أن يرتفع السلاسل على أنه مبتدأ وخبره محذوف لدلالة في أعناقهم عليه ويجوز أن يكون خبره ﴿ يسحبون * في الحميم ﴾ بحذف العائد : أي يسحبون بها في الحميم وهذا على قراءة الجمهور برفع السلاسل وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وأبو الجوزاء بنصبها وقرأوا يسحبون بفتح الياء مبنيا للفاعل فتكون السلاسل مفعولا مقدما وقرأ بعضهم بجر السلاسل قال الفراء : وهذه القراءة محمولة على المعنى إذ المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل وقال الزجاج : المعنى على هذه القراءة : وفي السلاسل يسحبون واعترضه ابن الأنباري بأن ذلك لا يجوز في العربية ومحل يسحبون على تقدير عطف السلاسل على الأغلال وعلى تقدير كونها مبتدأ وخبرها في أعناقهم النصب على الحال أو لا محل له بل هو مستأنف جواب سؤال مقدر
والحميم هو المتناهي في الحر وقيل الصديد وقد تقد تفسيره ٧٢ - ﴿ ثم في النار يسجرون ﴾ يقال سجرت التنور : أي أوقدته وسجرته ملأته بالوقود ومنه ﴿ والبحر المسجور ﴾ أي المملوء فالمعنى توقد بهم النار أو تملأ بهم قال مجاهد ومقاتل : توقد بهم النار فصاروا وقودها
٧٣ - ﴿ وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون * من دون الله ﴾ هذا توبيخ وتقريع لهم : أي أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم من دون الله
٧٤ - ﴿ قالوا ضلوا عنا ﴾ أي ذهبوا وفقدانهم فلا نراهم ثم أضربوا عن ذلك وانتقلوا إلى الإخبار بعدمهم وأنه لا وجود لهم فقالوا ﴿ بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ﴾ أي لم نكن نعبد شيئا قالوا هذا لما نبين لهم ما كانوا فيه من الضلالة والجهالة وأنهم كانوا يعبدون ما لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع وليس هذا إنكارا منهم لوجود الأصنام التي كانوا يعبدونها بل اعتراف منهم بأن عبادتهم إياها كانت باطلة ﴿ كذلك يضل الله الكافرين ﴾ أي مثل ذلك الضلال يضل الله الكافرين حيث عبدوا هذه الأصنام التي أوصلتهم إلى النار