٥ - ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة ﴾ أي في أغطية مثل الكنانة التي فيها السهام فهي لا تفقه ما تقول ولا يصل إليها قولك والأكنة جمع كنان هو الغطاء قال مجاهد : الكنان للقلب كالجنة للنبل وقد تقدم بيان هذا في البقرة ﴿ وفي آذاننا وقر ﴾ أي صمم وأصل الوقر الثقل وقرأ طلحة بن مصرف وقر بكسر الواو وقرئ بفتح الواو والقاف ومن في ﴿ ومن بيننا وبينك حجاب ﴾ لابتداء الغاية والمعنى : أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك فالمسافة المتوسطة بين جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق ومج وأسماعهم له وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ فاعمل إننا عاملون ﴾ أي اعمل على دينك إننا عاملون على ديننا وقال الكلبي : اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك وقال مقاتل : اعمل لإلهك الذي أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها وقيل اعمل لآخرتك فإنا عاملون لدنيانا
ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عن قولهم هذا فقال : ٦ - ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ أي إنما أنا كواحد منكم لولا الوحي ولم أكن من جنس مغاير لكم حتى تكون قلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه وفي آذانكم وقر ومن بيني وبينكم حجاب ولم أدعكم إلى ما يخالف العقل وإنما أدعوكم إلى التوحيد قرأ الجمهور ﴿ يوحى ﴾ مبنيا للمفعول وقرأ الأعمش والنخعي مبنيا للفاعل : أي يوحي الله إلي وقيل ومعنى الآية : أني لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسرا فإني بشر مثلكم ولا امتياز لي عنكم إلا أني أوحي إلي التوحيد والأمر به فعلي البلاغ وحده فإن قبلتم رشدتم وإن أبيتم هلكتم وقيل المعنى : إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحي ألي دونكم فصرت بالوحي نبيا ووجب عليكم اتباعي وقال الحسن في معنى الآية : إن الله سبحانه علم رسوله صلى الله عليه و سلم كيف يتواضع ﴿ فاستقيموا إليه ﴾ عداه بإلى لتضمنه معنى توجهوا والمعنى : وجهوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تميلوا عن سبيله ﴿ واستغفروه ﴾ لما فرط منكم من الذنوب ثم هدد المشركين وتوعدهم فقال :﴿ وويل للمشركين ﴾
ثم وصفهم بقوله : ٧ - ﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾ أي يمنعونها ولا يخرجونها إلى الفقراء وقال الحسن وقتادة : لا يقرون بوجوبها وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة وقيل معنى الآية لا يشهدون أن لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس وتطهيرها وقال الفراء : كان المشركون ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم فنزلت فيهم هذه الآية ﴿ وهم بالآخرة هم كافرون ﴾ معطوف على لا يؤتون داخل معه في حيز الصلة : أي منكرون للآخرة جاحدون لها والمجيء بضمير الفصل لقصد الحصر


الصفحة التالية
Icon