١٢ - ﴿ فقضاهن سبع سماوات ﴾ أي خلقهن وأحكمهن وفرغ منهن كما في قول الشاعر :

( وعليهما مسرودتان قضاهما داود إذ صبغ السوابغ تبع )
والضمير في قضاهن إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سبع سموات أو مبهم مفسر بسبع سموات وانتصاب سبع سموات على التفسير أو على البدل من الضمير وقيل إن انتصابه على أنه المفعول الثاني لقضاهن لأنه مضمن معنى صبرهن وقيل على الحال : أي قضاهن حال كونهن معدودات بسبع ويكون قضى بمعنى صنع وقيل على التمييز ومعنى ﴿ في يومين ﴾ كما سبق في قوله :﴿ خلق الأرض في يومين ﴾ فالجملة ستة أيام كما في قوله سبحانه :﴿ خلق السماوات والأرض في ستة أيام ﴾ وقد تقدم بيانه في سورة الأعراف قال مجاهد : ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون قال عبد الله بن سلام : خلق الأرض في يوم الأحد ويوم الاثنين وقد فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السماوات في يوم الخميس ويوم الجمعة وقوله :﴿ وأوحى في كل سماء أمرها ﴾ عطف على قضاهن قال قتادة والسدي : أي خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها وما فيها من الملائكة والبحار والبرد والثلوج وقيل المعنى : أوحى فيها ما أراده وما أمر به والإيحاء قد يكون بمعنى الأمر كما في قوله :﴿ بأن ربك أوحى ﴾ وقوله :﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين ﴾ أي أمرتهم
وقد استشكل الجمع بين هذه الآية وبين قوله :﴿ والأرض بعد ذلك دحاها ﴾ فإن ما في هذه الآية من قوله :﴿ ثم استوى إلى السماء ﴾ مشعر بأن خلقها متأخر عن خلق الأرض وظاهره يخالف قوله :﴿ والأرض بعد ذلك دحاها ﴾ فقيل إن ثم في ﴿ ثم استوى إلى السماء ﴾ ليست للتراخي الزماني بل للتراخي الرتبي فيندفع الإشكال من أصله وعلى تقدير أنها للتراخي الزماني فالجمع ممكن بأن الأرض خلقها متقدم على خلق السماء ودحوها بمعنى بسطها هو أمر زائد على مجرد خلقها فهي متقدمة خلقا متأخرة دحوا وهذا ظاهر ولعله يأتي عند تفسيرنا لقوله :﴿ والأرض بعد ذلك دحاها ﴾ زيادة إيضاح للمقام إن شاء الله ﴿ وزينا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ أي بكواكب مضيئة متلألئة عليها كتلألؤ المصابيح ﴿ و ﴾ انتصاب ﴿ حفظا ﴾ على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف : أي وحفظناها حفظا أو على أنه مفعول لأجله على تقدير : وخلقنا المصابيح زينة وحفظا والأول أولى قال أبو حيان : في الوجه الثاني هو تكلف وعدول عن السهل البين والمراد بالحفظ حفظها من الشياطين الذين يسترقون السمع والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره ﴿ تقدير العزيز العليم ﴾ أي البليغ القدرة الكثير العلم


الصفحة التالية
Icon