١٨ - ﴿ ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ وهم صالح ومن معه من المؤمنين فإن الله نجاهم من ذلك العذاب
ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة فقال : ١٩ - ﴿ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ﴾ وفي وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم والعامل في الظرف محذوف دل عليه ما بعده تقديره : يساق الناس يوم يحشر أو باذكر : أي اذكر يوم يحشرهم قرأ الجمهور يحشر بتحتية مضمومة ورفع أعداء على النيابة وقرأ نافع نحشر بالنون ونصب أعداء ومعنى حشرهم إلى النار سوقهم إليها أو إلى موقف الحساب لأنه يتبين عنده فريق الجنة وفريق النار ﴿ فهم يوزعون ﴾ أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا وجتمعوا كذا قال قتادة والسدي وغيرهما وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى
٢٠ - ﴿ حتى إذا ما جاؤوها ﴾ أي جاءوا النار التي حشروا إليها أو موقف الحساب وما مزيدة للتوكيد ﴿ شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ﴾ في الدنيا من المعاصي قال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم بالشرك والمراد بالجلود هي جلودهم المعروفة في قول أكثر المفسرين وقال السدي وعبيد الله بن أبي جعفر والفراء : أراد بالجلود الفروج والأول أولى
٢١ - ﴿ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ﴾ وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس : وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس وآلة اللمس هي الجلد فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس وهي السمع والبصر واللمس وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام وكذلك الشم لا يتأتى حتي تصير جلدة الحنك مماسة لجرم الشموم فكانا داخلين في جنس اللمس وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر وأما على قول من فسر الجلود بالفروج فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر لأن ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحا وأجلب للخزي والعقوبة وقد قدمنا وجه إفراد السمع وجمع الأبصار ﴿ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ﴾ أي أنطق كل شيء مما ينطق من مخلوقاته فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح وقيل المعنى : ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله والأول أولى ﴿ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾ قيل هذا من تمام كلام الجلود وقيل مستأنف من كلام الله والمعنى : أن من قدر على خلقكم وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه


الصفحة التالية
Icon