ثم أمره سبحانه بالاستعاذة من الشيطان فقال : ٣٦ - ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ﴾ النزغ شبيه النخس شبه به الوسوسة لأنها تبعث على الشر والمعنى : وإن صرفك الشيطان عن شيء مما شرعه الله لك أو عن الدفع بالتي هي أحسن فاستعذ بالله من شره وجعل النزغ نازغا على المجاز العقلي كقولهم : جد جده وجملة ﴿ إنه هو السميع العليم ﴾ تعليل لما قبلها : أي السميع لكل ما يسمع والعليم بكل ما يعلم ومن كان كذلك فهو يعيذ من استعاذ به
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون :﴿ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ وكان إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحب أن يسمع القرآن فأنزل الله :﴿ لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾ وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن قوله :﴿ ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ﴾ قال : هو ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه عن أنس قال :[ قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ قال : قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها ] وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ومسدد وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران عن أبي بكر الصديق في قوله :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ قال : الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئا وأخرج ابن راهويه وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال : ما تقولون في هاتين الآيتين ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ و ﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴾ قالوا : الذين قالوا ربنا الله ثم عملوا لها واستقاموا على أمره فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا قال : لقد حملتوهما على أمر شديد ﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴾ يقول بشرك والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة : ثم استقاموا على فرائض الله وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ﴿ ثم استقاموا ﴾ قال : على شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر عن عمر بن الخطاب ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ﴾ قال : استقاموا بطاعة الله ولم يروغوا روغان الثعلب وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والبخاري في تاريخه ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن سفيان الثقفي [ أن رجلا قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال : قل آمنت بالله ثم استقم قلت : فما أتقي ؟ فأوى إلى لسانه ] قال الترمذي : حسن صحيح وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة في قوله :﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ﴾ قالت : المؤذن ﴿ وعمل صالحا ﴾ قالت : ركعتان فيما بين الأذان والإقامة وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المؤذنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ﴾ قال : أمر المسلمين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم ﴿ كأنه ولي حميم ﴾ وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ قال : القه بالسلام فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله :﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا ﴾ قال : الرجل يشتمه أخوه فيقول : إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سليمان بن صرد قال :[ استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم فاشتد غضب أحدهما فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل : أمجنون تراني ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ﴾ ]