٤٨ - ﴿ وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل ﴾ أي زال ويطل في الآخرة ما كانوا يعبدون في الدنيا من الأصنام ونحوها ﴿ وظنوا ما لهم من محيص ﴾ أي أيقنوا وعلموا أنه لا محيص لهم يقال حاص يحيص حيصا : إذا هرب وقيل الظن على معناه الحقيقي لأنه بقي لهم في تلك الأحوال ظن ورجاء والأول أولى
ثم ذكر سبحانه بعض أحوال الإنسان فقال : ٤٩ - ﴿ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ﴾ أي لا يمل من دعاء الخير لنفسه وجلبه إليه والخير هنا : المال والصحة والسلطان والرفعة قال السدي : والإنسان هنا يراد به الكافر وقيل الوليد بن المغيرة وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف والأول حمل الآية على العموم باعتبار الغالب فلا ينافيه خروج خلص العباد وقرأ عبد الله بن مسعود لا يسأم الإنسان من دعاء المال ﴿ وإن مسه الشر فيؤوس قنوط ﴾ أي وإن مسه البلاء والشدة والفقر والمرض فيؤوس من روح الله قنوط من رحمته وقيل يؤوس من إجابة دعائه قنوط بسوء الظن بربه وقيل يؤوس من زوال ما به من المكروه قنوط بما يحصل له من ظن دوامه وهما صيغتان مبالغة يدلان على أنه شديد اليأس عظيم القنوط
٥٠ - ﴿ ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ﴾ أي ولئن آتيناه خيرا وعافية وغنى من بعد شدة ومرض وفقر ﴿ ليقولن هذا لي ﴾ أي هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي فظن أن تلك النعمة التي صار فيها وصلت إليه باستحقاقه لها ولم يعلم أن الله يبتلي عباده بالخير والشر ليتبين له الشاكر من الجاحد والصابر من الجزع قال مجاهد : معناه هذا بعملي وأنا محقوق به ﴿ وما أظن الساعة قائمة ﴾ أي ما أظنها تقوم كما يخبرنا به الأنبياء أو لست على يقين من البعث وهذا خاص بالكافرين والمنافقين فيكون المراد بالإنسان المذكور في صدر الآية الجنس باعتبار غالب أفراده لأن اليأس من رحمة الله والقنوط من خيره والشك في البعث لا يكون إلا من الكافرين أو المتزلزلين في الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين بالكفر ﴿ ولئن رجعت إلى ربي ﴾ على تقدير صدق ما يخبرنا به الأنبياء من قيام الساعة وحصول البعث والنشور ﴿ إن لي عنده للحسنى ﴾ أي للحالة الحسنى من الكرامة فظن أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير واستحق خير الآخرة بذلك الذي اعتقده في نفسه وأثبته لها وهو اعتقاد باطل وظن فاسد ﴿ فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ﴾ أي لنخبرنهم بها يوم القيامة ﴿ ولنذيقنهم من عذاب غليظ ﴾ شديد بسبب ذنوبهم واللام هذه والتي قبلها هي الموطئة للقسم
٥١ - ﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان ﴾ أي على هذا الجنس باعتبار غالب أفراده ﴿ أعرض ﴾ عن الشكر ﴿ ونأى بجانبه ﴾ أي ترفع عن الانقياد للحق وتكبر وتجبر والجانب هنا مجاز عن النفس ويقال نأيت وتناءيت : أي بعدت وتباعدت والمنتأى : الموضع البعيد ومنه قول النابغة :

( فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع )
وقرأ يزيد بن القعقاع ﴿ ونأى بجانبه ﴾ بالألف قبل الهمزة ﴿ وإذا مسه الشر ﴾ أي البلاء والجهد والفقر والمرض ﴿ فذو دعاء عريض ﴾ أي كثير والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة مجازا يقال أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء : إذا أكثر والمعنى : أنه إذا مسه الشر تضرع إلى الله واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به واستكثر من ذلك فذكره في الشدة ونسيه في الرخاء واستغاث به عند نزول النقمة وتركه عند حصول النعمة وهذا صنيع الكافرين ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين


الصفحة التالية
Icon