ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال ٥٢ - ﴿ قل أرأيتم ﴾ أي أخبروني ﴿ إن كان من عند الله ﴾ أي القرآن ﴿ ثم كفرتم به ﴾ أي كذبتم به ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه ﴿ من أضل ممن هو في شقاق بعيد ﴾ أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم وشدة عداوتكم والأصل أي شيء أضل منكم فوضع ﴿ من هو في شقاق ﴾ موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة وأنها السبب الأعظم في ضلالهم
٥٣ - ﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق ﴾ أي سنريهم دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله في الآفاق ﴿ وفي أنفسهم ﴾ الآفاق جمع أفق وهو الناحية والأفق بضم الهمزة والفاء وكذا قال أهل اللغة ونقل الراغب أنه يقال أفق بفتحهما والمعنى : سنريهم آياتنا في النواحي وفي أنفسهم حوادث الأرض وقال مجاهد : في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسولها وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا شرقا وغربا ومن الظهور على الجبابرة والأكاسرة وفي أنفسهم فتح مكة ورجح هذا ابن جرير وقال قتادة والضحاك : في الآفاق وقائع الله في الأمم وفي أنفسهم في يوم بدر وقال عطاء : في الآفاق : يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغير ذلك وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة كما في قوله :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ ﴿ حتى يتبين لهم أنه الحق ﴾ الضمير راجع إلى القرآن وقيل إلى الإسلام الذي جاءهم به رسول الله وقيل إلى ما يريهم الله ويفعل من ذلك وقيل إلى محمد صلى الله عليه و سلم أنه الرسول الحق من عند الله والأول أولى ﴿ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾ الجملة مسوقة لتوبيخهم وتقريعهم وبربك في موضع رفع على أن الفاعل ليكف والباء زائدة وأنه بدل من ربك والهمزة للإنكار والمعنى : ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء وقيل المعنى : أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار وقيل أو لم يكف بربك شاهدا على أن القرآن منزل من عنده والشهيد بمعنى العالم أو هو بمعنى الشهادة التي هي الحضور قال الزجاج : ومعنى الكناية ها هنا أن الله عز و جل قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة والمعنى : أو لم يكف ربك أنه على كل شيء شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شيء