٢٧ - ﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ﴾ أي لو وسع الله لهم رزقهم لبغوا في الأرض لعصوا فيها وبطروا النعمة وتكبروا وطلبوا ما ليس لهم طلبه وقيل المعنى : لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض ولتطلعت الصنائع والأول أولى والظاهر عموم أنواع الرزق وقيل هو المطر خاصة ﴿ ولكن ينزل بقدر ما يشاء ﴾ أي ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته وما تقتضيه حكمته البالغة ﴿ إنه بعباده خبير ﴾ بأحوالهم ﴿ بصير ﴾ بما يصلحهم من توسيع الرزق وتضييقه فيقدر لكل أحد منهم ما يصلحه ويكفه عن الفساد بالبغي في الأرض
٢٨ - ﴿ وهو الذي ينزل الغيث ﴾ أي المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق وأعمها فائدة وأكثرها مصلحة ﴿ من بعد ما قنطوا ﴾ أي من بعد ما أيسوا عن ذلك فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمته لهم ويشكرون له ما يجب الشكر عليه ﴿ وهو الولي ﴾ للصالحين من عباده بالإحسان إليهم وجلب المنافع لهم ودفع الشرور عنهم ﴿ الحميد ﴾ المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصا وعموما
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ من كان يريد حرث الآخرة ﴾ قال : عيش الآخرة ﴿ نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ﴾ الآية قال : من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبا في الآخرة إلا النار ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا فرغ منه وقسم له وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ] وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة : قال تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ من كان يريد حرث الآخرة ﴾ الآية ثم قال :[ يقول الله : ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك ] وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن علي قال : الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون وحرث الآخرة الباقيات الصالحات وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه من طريق طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله :﴿ إلا المودة في القربى ﴾ قال سعيد بن جبير : قربى آل محمد قال ابن عباس : أعجلت أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عنه قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم ] وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال : أكثر الناس علينا في هذه الآية ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان واسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وله فيه قرابة فقال الله :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا ﴾ على ما أدعوكم إليه ﴿ إلا المودة في القربى ﴾ أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني بها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال :[ كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم قرابة من جمع قريش فلما كذبوه
وأبوا أن يبايعوه قال : يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي منكم ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفطي ونصرتي منكم ] وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا نحوه وأخرج ابن مردويه عنه أيضا نحوه وأخرج ابن مردويه عنه أيضا من طريق أخرى نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس قال :[ قالت الأنصار فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا فقال العباس : لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : أفلا تجيبون ؟ قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ ألم يكذبوك فصدقناك ؟ ألم يخذلوك فنصرناك ؟ فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله فنزلت ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ ] وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف والأولى أن الآية مكية لا مدنية وقد أشرنا في أول السورة إلى قول من قال إن هذه الآية وما بعدها مدنية وهذا متمسكهم وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق
مجاهد عن ابن عباس قال :[ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ أي تحفظوني في أهل بيتي وتودونهم بي ] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي : بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :[ لما نزلت هذه الآية ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولدها ] وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية بمكة وكان المشركون يودون رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله قل لهم يا محمد :﴿ لا أسألكم عليه ﴾ يعني على ما أدعوكم إليه ﴿ أجرا ﴾ عرضا من الدنيا ﴿ إلا المودة في القربى ﴾ إلا الحفظ لي في قرابتي فيكم فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يلحقه بإخوته من الأنبياء فقال :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ﴾ يعني ثوابه وكرامته في الآخرة كما قال نوح ﴿ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ وكما قال هود وصالح وشعيب لم يستثنوا أجرا كما استثنى النبي صلى الله عليه و سلم فرده عليهم وهي منسوخة وأخرج أحمد
وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في الآية : قل لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله وأن تتقربوا إليه بطاعته هذا حاصل ما روي عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية والمعنى الأول هو الذي صح عنه ورواه عنه الجمع الجم من تلامذته فمن بعدهم ولا ينافيه ما روي عنه من النسخ فلا مانع من أن يكون قد نزل القرآن في مكة بأن يوده كفار قريش لما بينه وبينهم من القربى ويحفظوه بها ثم ينسخ ذلك ويذهب هذا الاستثناء من أصله كما يدل عليه ما ذكرنا مما يدل على أنه لم يسأل على التبليغ أجرا على الإطلاق ولا يقوى ما روي من حملها على آل محمد صلى الله عليه و سلم على معارضة ما صح عن ابن عباس من تلك الطرق الكثيرة وقد أغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله :﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ﴾ وكما لا يقوى هذا على المعارضة فكذلك لا يقوى ما روي عنه أن المراد بالمودة في القربى أن يودوا الله وأن يتقربوا إليه بطاعته ولكنه يشد من عضد هذا أنه
تفسير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وإسناده عند أحمد في المسند هكذا : حدثنا حسن بن موسى حدثنا قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن قزعة به وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند صحيح عن أبي هانيء الخولاني قال : سمعت عمر بن حريث وغيره يقولون : إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة ﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ﴾ وذلك أنهم قالوا لو أن لنا فتمنوا الدنيا وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن علي مثله