ذكر سبحانه بعض آياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده وصدق ما وعد به من البعث فقال : ٢٩ - ﴿ ومن آياته خلق السموات والأرض ﴾ أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة والصنعة الغريبة ﴿ وما بث فيهما من دابة ﴾ يجوز عطفه على خلق ويجوز عطفه على السموات والدابة اسم لكل ما دب قال الفراء : أراد ما بث في الأرض دون السماء كقوله :﴿ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ﴾ وإنما يخرج من الملح دون العذاب وقال أبو علي الفارسي : تقديره وما بث في أحدهما فحذف المضاف قال مجاهد : يدخل في هذا الملائكة والناس وقد قال تعالى :﴿ ويخلق ما لا تعلمون ﴾ ﴿ وهو على جمعهم ﴾ أي حشرهم يوم القيامة ﴿ إذا يشاء قدير ﴾ الظرف متعلق بجمعهم لا بقدير قال أبو البقاء لأن ذلك يؤدي وهو على جمعهم قدير إذا يشاء فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال قال شهاب الدين : ولا أدري ما وجه كونه محالا على مذهب أهل السنة فإن كان يقول بقول المعتزلة وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده
٣٠ - ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ﴾ أي ما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصي قرأ نافع وابن عامر ﴿ بما كسبت ﴾ بغير فاء وقرأ الباقون بالفاء وما في وما أصابكم هي الشرطية ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور ولا يجوز حذفها عند سيبويه والجمهور وجوز الأخفش الحذف كما في قوله :﴿ وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ﴾ وقول الشاعر :

( من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان )
وقيل هي الموصولة فيكون الحذف والإثبات جائزين والأول أولى قال الزجاج : إثبات الفاء أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط ومن حذف الفاء فعلى أن ما في معنى الذي والمعنى : الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم قال الحسن : المصيبة هنا الحدود على المعاصي والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي ودخول من الاستغراقية عليها ﴿ ويعفو عن كثير ﴾ من المعاصي التي يفعلها العباد فلا يعاقب عليها فمعنى الآية : أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب ويعفو عن كثير من الذنوب وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه وقيل هذه الآية مختصة ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه وقيل هذه الآية مختصة بالكافرين على معنى : أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفرا عنهم لذنب ولا محصلا لصواب وبترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الآخرة والأولى حمل الآية على العموم والعفو يصدق على تأخير العقوبة كما يصدق على محو الذنب ورفع الخطاب به قال الواحدي : وهذه أرجى آية في كتاب الله لأنه جعل ذنوب المؤمنين صنفين : صنف كفره عنهم بالمصائب وصنف عفا عنه في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه فهذه سنة الله مع المؤمنين وأما الكافر فإن لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة


الصفحة التالية
Icon