ثم ذكر سبحانه الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها فقال : ٣٩ - ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾ أي أصابهم بغي من بغى عليهم بغير حق ذكر سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح لأن التذلل لمن بغى ليس من صفات من جعل الله له العزة حيث قال ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾ فالانتصار عند البغي فضيلة كما أن العفو عند الغضب فضيلة قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء
ولكن هذا الانتضار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له وعدم مجاوزته كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله : ٤٠ - ﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾ فبين سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة وظاهر هذا العموم وقال مقاتل والشافعي وأبو حنيفة وسفيان : إن هذا خاص بالمجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره وقال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله يقول أخزاك الله من غير أن يعتدي وتسمية الجزاء سيئة إما لكونها تسوء من وقعت عليه أو على طريق المشاكلة لتشابهما في الصورة ثم لما بين سبحانه أن جزاء السيئة بمثلها حق جائز بين فضيلة العفو فقال :﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾ أي من عفا عمن ظلمه وأصلح بالعفو بينه وبين ظالمه : أي أن الله سبحانه يأجره على ذلك وأبهم الأجر تعظيما لشأنه وتنبيها على جلالته قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة وقد بينا هذا في سورة آل عمران ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هي سبب الفوز والنجاة فقال :﴿ إنه لا يحب الظالمين ﴾ أي المبتدئين بالظلم قال مقاتل : يعني من يبدأ بالظلم وبه قال سعيد بن جبير وقيل لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد فيه لأن المجاوزة ظلم


الصفحة التالية
Icon