ثم ذكر سبحانه أنها لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة فقال : ٤٠ - ﴿ أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ﴾ الهمزة لإنكار التعجب : أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإخبار له أنه لا يقدر على ذلك إلا الله عز و جل وقوله :﴿ ومن كان في ضلال مبين ﴾ عطف على العمي : أي إنك لا تهدي من كان كذلك ومعنى الآية : أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصم الذين لا يعقلون ما جئت به وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه فإفراطهم في الضلالة وتمكنهم من الجهالة
٤١ - ﴿ فإما نذهبن بك ﴾ بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم ﴿ فإنا منهم منتقمون ﴾ إما في الدنيا أو في الآخرة وقيل المعنى : تخرجنك من مكة
٤٢ - ﴿ أو نرينك الذي وعدناهم ﴾ من العذاب قبل موتك ﴿ فإنا عليهم مقتدرون ﴾ متى شئنا عذبناهم قال كثير من المفسرين : قد أراه الله ذلك يوم بدر وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه و سلم من الفتن وقد كان بعد النبي صلى الله عليه و سلم فتنة شديدة فأكرم الله نبيه صلى الله عليه و سلم فلم يره في أمته شيئا من ذلك والأول أولى
٤٣ - ﴿ فاستمسك بالذي أوحي إليك ﴾ أي من القرآن وإن كذب به من كذب ﴿ إنك على صراط مستقيم ﴾ أي طريق واضح والجملة تعليل لقوله : فاستمسك
٤٤ - ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ أي وإن القرآن لشرف لك ولقومك من قريش إذ نزل عليك وأنت منهم بلغتك ولغتهم ومثله قوله :﴿ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ﴾ وقيل بيان لك ولأمتك فيما لكم إليه حاجة وقيل تذكرة تذكرون بها أمر الدين وتعلمون به ﴿ وسوف تسألون ﴾ عما جعله الله لكم من الشرف كذا قال الزجاج والكلبي وغيرهما وقيل يسألون عما يلزمهم من القيام به فيه والعمل به
٤٥ - ﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ﴾ قال الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد : إن جبريل قال ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم لما أسري به فالمراد سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاته لهم وبه قال جماعة من السلف وقال المبرد والزجاج وجماعة من العلماء : إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا وبه قال مجاهد والسدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن ومعنى الآية على القولين : سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل وهل سوغ ذلك لأحد منهم ؟ والمقصود تقريع مشركي قريش بأن ما هم عليه لم يأت في شريعة من الشرائع
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت : قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله فأتاه وهو في القوم فقال أبو بكر : إلام تدعوني ؟ قال : أدعوك إلى عبادة اللات والعزى قال أبو بكر : وما اللات ؟ قال أولاد الله قال : وما العزى قال : بنات الله قال أبو بكر : فمن أمهم ؟ فسكت طلحة فلم يجبه فقال لأصحابه : أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة : قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأنزل الله :﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمن ﴾ الآية وثبت في صحيح مسلم وغيره أن مع كل إنسان قرينا من الجن وأخرج ابن مردويه عن علي في قوله :﴿ فإما نذهبن بك ﴾ قال : ذهب نبيه صلى الله عليه و سلم وبقيت نقمته في عدوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ أو نرينك الذي وعدناهم ﴾ قال : يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طرق عنه في قوله :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ قال : شرف لك ولقومك وأخرج ابن عدي وابن مردويه عن علي وابن عباس قالا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على القبائل بمكة ويعدهم الظهور فإذا قالوا لمن الملك بعدك ؟ أمسك فلم يجبهم بشيء لأنه لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ فكان بعد إذا سئل قال لقريش فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن ابن عباس في قوله :﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ﴾ قال اسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا


الصفحة التالية
Icon