٢ - ﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ ﴿ بل ﴾ للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال وأن في موضع نصب على تقدير : لأن جاءهم والمعنى : بل عجب الكفار لأن جاءهم منذر منهم وهو محمد صلى الله عليه و سلم ولم يكتفوا بمجرد الشك والرد بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة وقيل هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيدا وقد تقدم تفسير هذا فس سورة ص ثم فسر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله :﴿ فقال الكافرون هذا شيء عجيب ﴾ وفيه زيادة تصريح وإيضاح قال قتادة : عجبهم أن دعوا إلى إله واحد وقيل تعجبهم من البعث
فيكون لف هذا إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله :﴿ أإذا متنا ﴾ الخ والأول أولى قال الرازي : الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر ثم قالوا :﴿ أإذا متنا ﴾ وأيضا قد وجد هاهنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب وهو قولهم :﴿ ذلك رجع بعيد ﴾ فإنه استبعاد وهو كالتعجب فلو كان التعجب بقولهم :﴿ هذا شيء عجيب ﴾ عائدا إلى قولهم : أئذا لكان كالتكرار فإن قيل التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر فإن تعجبهم منه علم من قولهم : وعجبوا أن جاءهم فقوله :﴿ هذا شيء عجيب ﴾ يكون تكرارا فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير لأنه لما قال بل عجبوا بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجبا كقوله :﴿ أتعجبين من أمر الله ﴾ ويقال في العرف : لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب فكأنهم لما عجبوا قيل لهم : لا معنى لتعجبكم فقالوا :﴿ هذا شيء عجيب ﴾ فكيف لا نعجب منه ويدل على ذلك قوله هاهنا ﴿ فقال الكافرون ﴾ بالفاء فإنها تدل على أنه مترتب على ما تقدم قرأ الجمهور ﴿ أإذا متنا ﴾ بالاستفهام وقرأ ابن عامر في رواية عنه وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزة واحدة فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور وهمزة الاستفهام مقدرة ويحتمل أن معناه الإخبار والعامل في الظرف مقدر : أي أيبعثنا أو أنرجع إذا متنا لدلالة ما بعده عليه هذا على قراءة الجمهور وأما على القراءة الثانية فجواب إذا محذوف : أي رجعنا وقيل ذلك رجع والمعنى : استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم ترابا ثم جزموا باستبعادهم للبعث فقالوا :﴿ ذلك ﴾ أي للبعث ﴿ رجع بعيد ﴾ أي بعيد عن العقول أو الأفهام أو العادة أو الإمكان يقال رجعته أرجعه رجعا ورجع هو يرجع رجوعا
ثم رد سبحانه ما قالوه فقال : ٤ - ﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ﴾ أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء من ذلك ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث ولا يستبعد منه وقال السدي : النقص هنا الموت يقول : قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى لأن من مات دفن فكأن الأرض تنقص من الأموات وقيل المعنى : من يدخل في الإسلام من المشركين والأول أولى ﴿ وعندنا كتاب حفيظ ﴾ أي حافظ لعدتهم وأسمائهم ولكل شيء من الأشياء وهو اللوح المحفوظ : أي محفوظ من الشياطين أو محفوظ فيه كل شيء