ثم أضرب سبحانه عن كلامهم الأول وانتقل إلى ما هو أشنع منه فقال : ٥ - ﴿ بل كذبوا بالحق ﴾ فإنه تصريح منهم بالتكذيب بعد ما تقدم عنهم من الاستعباد والمراد بالحق هنا القرآن قال الماوردي في قول الجميع وقيل هو الإسلام وقيل محمد وقيل النبوة الثابتة بالمعجزات ﴿ لما جاءهم ﴾ أي وقت مجيئه إليهم من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر قرأ الجمهور بفتح اللام وتشديد الميم وقرأ الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم ﴿ فهم في أمر مريج ﴾ أي مختلط مضطرب يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن : قاله الزجاج وغيره وقال قتادة مختلف وقال الحسن ملتبس والمعنى متقارب وقيل فاسد والمعاني متقاربة ومنه قولهم : مرجب أمانات الناس : أي فسدت ومرج الدين والأمر اختلط
٦ - ﴿ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ﴾ الاستفهام للتقريع والتوبيخ : أي كيف غفلوا عن النظر إلى السماء فوقهم ﴿ كيف بنيناها ﴾ وحعلناها على هذه الصفة مرفوعة بغير عماد تعتمد عليه ﴿ وزيناها ﴾ بما جعلنا فيها من المصابيح ﴿ وما لها من فروج ﴾ أي فتوق وشقوق وصدوع وهو جمع فرج ومنه قول امرئ القيس :
( يسد به فرجا من دبر )
قال الكسائي ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق
٧ - ﴿ والأرض مددناها ﴾ أي بسطناها ﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾ أي جبالا ثوابت وقد تقدم تفسير هذا في سورة الرعد ﴿ وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ﴾ أي من كل صنف حسن وقد تقدم تفسير هذا في سورة الحج
٨ - ﴿ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ﴾ هما علتان لما تقدم منتصبان بالفعل الأخير منها أو بمقدر : أي فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير قاله الزجاج وقال أبو حاتم : انتصبا على المصدرية أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى والمنيب الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه وعجائب مخلوقاته وفي سياق هذه الآية تذكير لمنكري البعث وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه فإن القادر على مثل هذه الأمور يقدر عليه
وهكذا قوله : ٩ - ﴿ ونزلنا من السماء ماء مباركا ﴾ أي نزلنا من السحاب ماء كثير البركة لانتفاع الناس به في غالب أمورهم ﴿ فأنبتنا به جنات ﴾ أي أنبتنا بذلك الماء بساتين كثيرة ﴿ وحب الحصيد ﴾ أي ما يقتات ويحصد من الحبوب والمعنى : وحب الزرع الحصيد وخص الحب لأنه المقصود كذا قال البصريون وقال الكوفيون : هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع حكاه الفراء : قال الضحاك : حب الحصيد البر والشعير وقيل كل حب يحصد ويدخر ويقتات


الصفحة التالية
Icon