١٦ - قوله :﴿ ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ﴾ المراد بالكتاب التوراة وبالحكم الفهم والفقه الذي يكون بهما الحكم بين الناس وفصل خصوماتهم وبالنبوة من بعثه الله من الأنبياء فيهم ﴿ ورزقناهم من الطيبات ﴾ أي المستلذات التي أحلها الله لهم ومن ذلك المن والسلوى ﴿ وفضلناهم على العالمين ﴾ من أهل زمانهم حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر ونحوه
وقد تقدم بيان هذا في سورة الدخان ١٧ - ﴿ وآتيناهم بينات من الأمر ﴾ أي شرائع واضحات في الحلال والحرام أو معجزات ظاهرات وقيل العلم بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم وشواهد نبوته وتعيين مهاجره ﴿ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ﴾ أي فما وقع الاختلاف بينهم في ذلك الأمر إلا بعد مجيء العلم إليهم بينانه وإيضاح معناه فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجبا لثبوته وقيل المراد بالعلم يوشع بن نون فإنه آمن به بعضهم وكفر بعضهم وقيل نبوة محمد صلى الله عليه و سلم فاختلفوا فيها حسدا وبغيا وقيل ﴿ بغيا ﴾ من بعضهم على بعض بطلب الرئاسة ﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾ من أمر الدين فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
١٨ - ﴿ ثم جعلناك على شريعة من الأمر ﴾ الشريعة في اللغة المذهب والملة والمنهاج ويقال : لمشرعة الماء وهي مورد شاربيه شريعة ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين والجمع شرائع : أي جعلناك يا محمد على منهاج واضع من أمر الدين يوصلك إلى الحق ﴿ فاتبعها ﴾ فاعمل بأحكامها في أمتك ﴿ ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾ توحيد الله وشرائعه لعباده وهم كفار قريش ومن وافقهم
١٩ - ﴿ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ﴾ أي لا يدفعون عنك شيئا مما أراده الله بك إن اتبعت أهواءهم ﴿ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ﴾ أي أنصار ينصر بعضهم بعضا قال ابن زيد : إن المنافقين أولياء اليهود ﴿ والله ولي المتقين ﴾ أي ناصرهم والمراد بالمتقين الذين اتقوا الشرك والمعاصي
والإشارة بقوله : ٢٠ - ﴿ هذا ﴾ إلى القرآن أو إلى اتباع الشريعة وهو مبتدأ وخبره ﴿ بصائر للناس ﴾ أي براهين ودلائل لهم فيما يحتاجون إليه من أحكام الدين جعل ذلك بمنزلة البصائر في القلوب وقرئ ﴿ هذا بصائر ﴾ : أي هذه الآيات لأن القرآن بمعناها كما قال الشاعر :
( سائل بني أسد ما هذه الصوت )
لأن الصوت بمعنى الصيحة ﴿ وهدى ﴾ أي رشد وطريق يؤدي إلى الجنة لمن عمل به ﴿ ورحمة ﴾ من الله في الآخرة ﴿ لقوم يوقنون ﴾ أي من شأنهم الإيقان وعدم الشك والتزلزل بالشبه
٢١ - ﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني والهمزة لإنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجوارح وقد تقدم في المائدة والجملة مستأنفة لبيان تباين حالي المسيئين والمحسنين وهو معنى قوله :﴿ أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ أي نسوي بينهم مع اجترامهم السيئات وبين أهل الحسنات ﴿ سواء محياهم ومماتهم ﴾ في دار الدنيا وفي الآخرة كلا لا يستوون فإن حال أهل السعادة فيهما غير حال أهل الشقاوة وقيل المراد إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة قرأ الجمهور ﴿ سواء ﴾ بالرفع على أنه خبر مقدم والمبتدأ محياهم ومماتهم والمعنى : إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء وقرأ حمزة والكسائي وحفص ﴿ سواء ﴾ بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله ﴿ كالذين آمنوا ﴾ أو على أنه مفعول ثان لحسب واختار قراءة النصب أبو عبيد وقال معناه : نجعلهم سواء وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر مماتهم بالنصب على معنى سواء في محياهم ومماتهم فلما سقط الخافض انتصب أو على البدل من مفعول نجعلهم بدل اشتمال ﴿ ساء ما يحكمون ﴾ أي ساء حكمهم هذا الذي حكموا به


الصفحة التالية
Icon