٢٨ - ﴿ وترى كل أمة جاثية ﴾ الخطاب لكل من يصلح له أو للنبي صلى الله عليه و سلم والأمة الملة ومعنى جاثية : مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله وذلك عند الحساب وقيل معنى جاثية : مجتمعة قال الفراء : المعنى وترى أهل كل ذي دين مجتمعين وقال عكرمة : متميزة عن غيرها وقال مؤرج : معناه بلغة قريش : خاضعة وقال الحسن : باركة على الركب والجثو الجلوس على الركب تقول جثا يجثو ويجثي جثوا وجثيا : إذا جلس على ركبتيه والأول أولى ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب ومنه قول طرفة يصف قبرين :
( ترى جثوتين من تراب عليهما | صفائح صم من صفائح منضد ) |
٢٩ - ﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ﴾ هذا من تمام ما يقال لهم والقائل بهذا هم الملائكة وقيل هو من قول الله سبحانه : أي يشهد عليكم وهو استعارة يقال نطق الكتاب بكذا : أي بين وقيل إنهم يقرأونه فيذكرون ما عملوا فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه ولا نقصان ومحل ينطق النصب على الحال أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة وجملة ﴿ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾ تعليل للنطق بالحق أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم : أي بكتبها وتثبيتها عليكم قال الواحدي : وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه قالوا : لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل وقيل المعنى : نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون وقيل إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات وتركوا المباحات وقيل إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عز و جل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب