٣٥ - ﴿ أعنده علم الغيب فهو يرى ﴾ الاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى : أعند هذا المكدي علم ما غاب عنه من أمر العذاب فهو يعلم ذلك
٣٦ - ﴿ أم لم ينبأ بما في صحف موسى ﴾
٣٧ - ﴿ أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ﴾ أي ألم يخبر ولم يحدث بما في صحف موسى : يعني أسفاره وهي التوراة وبما في صحف إبراهيم الذي وفى : أي تمم وأكمل ما أمر به قال المفسرون : أي بلغ قومه ما أمر به وأداه إليهم وقيل بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه
ثم بين سبحانه ما في صحفهما فقال : ٣٨ - ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى ومعناه : لا تؤخذ نفس بذنب غيرها وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر وخبرها الجملة بعدها ومحل الجملة الجر على أنها بدل من صحف موسى وصحف إبراهيم أو الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف وقد مضى تفسي هذه الآية في سورة الأنعام
٣٩ - ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ عطف على قوله :﴿ ألا تزر ﴾ وهذا أيضا مما في صحف موسى والمعنى : ليس له أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحدا عمل أحد وهذا العموم مخصوص بمثل قوله سبحانه :﴿ ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد ومشروعية دعاء الأحياء للأموات ونحو ذلك ولم يصب من قال : إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصصه فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم
٤٠ - ﴿ وأن سعيه سوف يرى ﴾ أي يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة
٤١ - ﴿ ثم يجزاه ﴾ أي يجزى الإنسان سعيه يقال جزاه الله بعمله وجزاه على عمله فالضمير المرفوع عائد إلى الإنسان والمنصوب إلى سعيه وقيل إن الضمير المنصوب راجع إلى الجزاء المتأخر وهو قوله :﴿ الجزاء الأوفى ﴾ فيكون الضمير راجعا إلى متأخر عنه هو مفسر له ويجوز أن يكون الضمير المنصوب راجعا إلى الجزاء الذي هو مصدر يجزاه ويجعل الجزاء الأوفى تفسيرا للجزاء المدلول عليه بالفعل كما في قوله :﴿ اعدلوا هو أقرب ﴾ قال الأخفش : يقال جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء سواه لا فرق بينهما
٤٢ - ﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ أي المرجع والمصير إليه سبحانه لا إلى غيره فيجازيهم بأعمالهم وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ﴾ قال : الكبائر ما سمى الله فيه النار والفواحش : ما كان فيه حد الدنيا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ] وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ إلا اللمم ﴾ قال : زنا العينين : النظر وزنا الشفتين : التقبيل وزنا اليدين : البطش وزنا الرجلين : المشي ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم وأخرج مسدد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه سئل عن قوله :﴿ إلا اللمم ﴾ قال : هي النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهو الزنا وأخرج سعيد بن منصور والترمذي وصححه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال في قوله :﴿ إلا اللمم ﴾ هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب منها قال : وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

( إن تغفر الله تغفر جما وأي عبد لك لا ألما )
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ إلا اللمم ﴾ يقول : إلا ما قد سلف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله :﴿ إلا اللمم ﴾ قال : اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود فذلك الإلمام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال : اللمم كل شيء بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة يكفره الصلاة وهو دون كل موجب فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار وأخر عقوبته إلى الآخرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال :[ كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : كذبت يهود ما من نسمة يخلقها في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد فأنزل الله عند ذلك ﴿ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ﴾ الآية كلها ] وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود عن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم سموها زينب ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وأعطى قليلا وأكدى ﴾ قال : قطع نزلت في العاص بن وائل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : أطاع قليلا ثم انقطع وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والشيرازي في الألقاب والديلمي قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ أتدرون ما قوله :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ قالوا الله ورسوله أعلم قال : وفى عمل يومه بأربع ركعات كان يصليهن وزعم أنها صلاة الضحى ] وفي إسناده جعفر بن الزبير وهو ضعيف وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال : سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتممها أحد قبل إبراهيم عليه السلام قال الله :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يقول إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا والذي في صحف موسى ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال :[ ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى :﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ﴾ إلى آخر الآية ] وفي إسناده ابن لهيعة وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ والنجم ﴾ فبلغ ﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ قال : وفى ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ إلى قوله :﴿ من النذر الأول ﴾ وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه قال :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ فأنزل الله بعد ذلك ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ فأدخل الله الأبناء الجنة بصلاح الآباء وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال :[ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قرأ ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾ استرجع واستكان ] وأخرج الدارقطني في الإفراد والبغوي في تفسيره عن أبي بن كعب [ عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ قال : لا فكرة في الرب ]


الصفحة التالية
Icon