ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال : ١١ - ﴿ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾ أي منصب انصبابا شديدا والهمر : الصب بكثرة يقال : همر الماء والدمع يهر همرا وهمورا : إذا كثر ومنه قول الشاعر :

( أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر )
ومنه قول امرئ القيس يصف عينا :
( راح تمر به الصبا ثم انتحى فيه بشؤبوب جنوب منهمر )
قرأ الجمهور ﴿ فتحنا ﴾ مخففا وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد
١٢ - ﴿ وفجرنا الأرض عيونا ﴾ أي جعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة والأصل فجرنا عيون الأرض قرأ الجمهور ﴿ فجرنا ﴾ بالتشديد وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف قال عبيد بن عمير : أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون ﴿ فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾ أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم : أي كائنا على حال قدرها الله وقضى بها وحكى ابن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء قال قتادة : قدر لهم إذ كفروا أن يغرقوا وقرأ الجحدري فالتقى الماآن وقرأ الحسن فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب
١٣ - ﴿ وحملناه على ذات ألواح ودسر ﴾ أي وحملنا نوحا على سفينة ذات ألواح وهي الأخشاب العريضة ﴿ ودسر ﴾ قال الزجاج : هي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار وكل شيء أدخل في شيء يشده فهو الدسر وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب وابن زيد وسعيد بن جبير وغيرهم وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة : الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء : أي تدفعه والدسر الدفع وقال الليث : الدسار خيط تشد به ألواح السفينة قال في الصحاح : الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينة ويقال هي المسامير
١٤ - ﴿ تجري بأعيننا ﴾ أي بمنظر ومرأى منا وحفظ لها كما في قوله :﴿ واصنع الفلك بأعيننا ﴾ وقيل بأمرنا وقيل بوحينا وقيل بالأعين النابعة من الأرض وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها ﴿ جزاء لمن كان كفر ﴾ قال الفراء : فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام فإنه كان لهم نعمة كفروها فانتصاب جزاء على العلة وقيل على المصدرية بفعل مقدر : أي جازيناهم جزاء قرأ الجمهور ﴿ كفر ﴾ مبنيا للمفعول والمراد به نوح وقيل هو الله سبحانه فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته وقرأ يزيدي بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى كفر بفتح الكاف والفاء مبنيا للفاعل : أي جزاء وعقابا لمن كفر بالله


الصفحة التالية
Icon